يمليخا: (في همس) إنه يذكر الروم.
مرنوش: (في ذكاء) آه. لقد فهمت يا سيدي. لعلك - رأيتنا إذ بعثنا من كهفنا بعد نومنا الطويل.
توفيق: لا، لا، ليس هذا. إني قرأت عنكم وامتزجت روحي بروحكم، ولكنني لم أركم قط رؤيا العين.
مشلينيا: ولكن أنى لك بمعرفة وجوهنا؟
توفيق: (في دلال) إنه الفن يا سيدي. يسمو بالمرء حتى ليرى ما تختلج به نفوس القوم، وما تضطرب به أفئدة البشر، إنه الفن الذي يصل الماضي بالحاضر. لقد ترجمت عما في نفوسكم واستكشفت خباياها بعد موتكم بعشرات القرون. أفيعجزني الآن أن أتعرف إلى وجوهكم؟
مرنوش: (هامساً في خوف) لعل به مسّاً من الشيطان!
يمليخا: (معترضاً كالهامس) لعله قديس وهبه الله قبساً من نوره فقرأ ما في نفوس البشر.
مرنوش: (في همس) لقد عرفنا وعرف أسماءنا، برغم انه لم يرنا قط.
مشلينيا: بل ويزعم أنه استطلع ما في نفوسنا.
توفيق: (عابثاً) نعم. ألست أنت مرنوش (مشيراً إليه). ألم يكن لك زوج تحبها. وبنيت بها في الخفاء فأنجبت لك غلاماً، ثم نجوت بنفسك إلى الكهف خوفاً من دقيانوس وشروره!!
يمليخا: (هامساً) ألم أقل لكما أنه قديس؟ (في صوت عال) صدقت أيها القديس.
توفيق: (متمماً حديثه) ولولا زوجك هذه يا مشلينيا لما كنت مسيحياً، ولمت وثنياً، ونقمت على المسيح والمسيحيين. أنت يا ساعد دقيانوس الأيمن في مذابحه قبل زواجك. . . فإذا ما افتقدت زوجك وغلامك انقلبت ساخطاً على السماء والأرض (ومت مجرداً من كل شيء عارياً كما ظهرت، فلا أفكار ولا عواطف ولا عقائد).
مرنوش: أتعنيني أنا؟ (هامسا إلى زميله) لقد حسبت به مساً من الشيطان، ولكني واثق الآن أنه الشيطان نفسه.
ولعله كان يسكن هذا الكهف المظلم المشئوم الذي لبثنا فيه حقبة من الدهر. ولابد أنه تحسس أخبارنا ونحن في ظلمة لنتبين من أمره شيئاً.