الأجانب إلى الاحتفال بهذا الحادث الجليل، ثم جلس (هوروس) الإله الشاب الذي كان يقوم بأعمال السكرتارية في المجلس، بناء على إشارة من الرئيس، إلى آلته الكاتبة فكتب الدعوات على وجه السرعة، ثم ناولها إلى (آمون) فمهرها بخاتمه، ثم أعطيت إلى (أبس) الإله الطائر فحملها في منقاره وطار بها إلى الأقطار الأجنبية. . بعد ذلك أخذوا يبحثون عن المكان الذي يبدأ منه النهر فرأى أحدهم أن تكون بدايته أسوان، ولكن الحكيم (حوتيب) اعترض مرة أخرى قائلاً: إن مصر سوف يزيد عدد سكانها مع الزمن، فيحسن لذلك أن نعطي لها فسحة. . وبعد البحث اختيرت إحدى بحيرات بلاد (البونت) المقدسة لارتفاعها، ولتكون تحت إشراف الآلهة ورعايتها. . ثم جاء يوم الاحتفال وكان يومًا فريداً في التاريخ، شرب فيه الآلهةكثيراً من نبيذ قبرص اللذيذ الذي جاء به (دينوزيس) إلهِ الخمر الإغريقي هدية (لآمون)، كما أن (إيزيس) الآلهة الساحرة قامت بألعات سحرية مدهشة سرّ لها الناظرون، منها أنها قطعت بالسكين رأس دجاجة، ثم أشارت بعصاها إلى ذلك الرأس فعاد فالتحم بالجسد. وقد أعجب بهذا المنظر، بصفة خاصة، (بعل) إله آشور الكبير فأخذ يضحك ملء شدقيه. . ثم قصد الجميع إلى جبل قائم بجوار البحيرة، فأشار (آمون) إليه بيده وأخذ ينادي أرواح الماء بصوت عظيم يشبه الرعد، فتفجرت المياه نقية عذبة من الصخور. . في جلال وروعة. . وكان (بنتاؤر) الشاعر، البشري الوحيد الذي دعا إلى الحفلة، ليخلد على قيثارته ذلك اليوم المهيب، ولكنه أرتج عليه من هيبة المنظر وظل صامتها لحظة، وقد أخضلت عيناه بالدمع، ولم تحل عقدة لسانه إلا بعد أن شرب جرعة من ماء النيل، فأنشد:(سلامٌ عليك أيها النيل! يا من يتفجر من الصخر حياة ويسراً! إنك حينما تهبط تخضّر الأرض، كما أن عيدان القمح تنحني لك إجلالاً، وتقدم لك بذورها قرباناً. . إنك تخلق للصانع العمل، وللأرض الغبطة. كما أن كل معدة تسر لمقدمك، كذلك يهتز كل منكب من شدة الفرح. . دم أيها النيل حياة لمصر ويسراً للمصريين!)