للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

اخترت هذا البيت بالذات؟

- قالوا عند المزلقان. . .

ومددت يدي أتناول الورق منه، فدفعه إلي بعد تردد وحذر؛ وألقيت نظرة فإذا هو لفلان في بيته المرقوم بكيت ويقع كذلك عند مزلقان وهو بشأن سيارة لم يعنني أن أعرف موضوعها؛ وتبسمت وقلت للشرطي ليس المحضر لنا، ورحت أصف له موضع البيت المقصود، وأذكر له اسم الشخص المطلوب، وحسبت أنه سوف يحمد لي هذا الإرشاد؛ ولكني نظرت فإذا به يداعب شاربه ويرميني بنظرة اشتركت فيها عيناه وأنفه وغلظه وجهله، وإنه ليبتسم ابتسامة أسمج من هيكله، وكأنما يريد أن يذكرني أنه من رجال البوليس، وهل يضحك أحد او يمكر رجال البوليس ثم قال: وقع على الورق يا أفندم. . . ما فيش لزوم للزوغان!

ورأيت أني أكون أجهل منه لو ناقشته بعد ذلك، فهممت أن أوقع لمجرد التخلص منه، وليفهمه رؤساؤه بعد ذلك خطأه، ولكني عدت أؤكد له أني لست الشخص المطلوب، وهو ينظر إليّ ويصب عليّ سماجته كلها، حتى ضقت به فقلت لن أوقع، وإذ ذاك تراجع وطلب إليّ أن أدله على البيت المكتوب في الورق. . . فتنفست الصعداء وقلت:

- أتعرف بيت محمد باشا محمود؟

- محمد باشا محمود؟ ومين محمد باشا محمود ده؟ ومين يا أفندم اللي يعرفني بالكلام ده؟!

وجذبته من ذراعه وسرت معه خطوات حتى وقفت به في الشارع المجاور، وهو شارع الفلكي، وقلت له: أنت الآن تتجه (بحري) فأين يدك اليسرى؟ ومد إليّ يده اليسرى في سذاجة، فقلت: تظل ماشياً في هذا الشارع إلى أن تجد بيتاً كبيراً يقف ببابه، ويقع عن شمالك، عسكري مثلك، فاسأله أين البيت المطلوب. . . وانطلق العملاق يتمتم بكلمات ولعله كان يستنزل لعنة الله على من كلفوه ما لا يطيق؛ وعدت إلى مكتبي ومراجعي وأنا أقول لنفسي: هذا وأمثاله هم حفظة الأمن والنظام، وهذا وأمثاله من يستلم المرء محضراً حقاً إذا انتهرهم أو ضاق بهم فدفعهم من طريقه أو من مدخل داره. . . هذا وأمثاله ليسوا بالقليلين هم شرطتنا. . . ألا متى يفه القائمون بالأمر، حفظة الأمن الكبار، حفظهم الله، أن تغيير هذا الصنف كله بات من أوجب الواجبات؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>