الثانية وأظهرها ضحكها برهاناً آخر على مبلغ ما يكون بين جنسها وبين اللطف من بعد الشقة. . . واحمر وجه الفتى حتى كاد أن يقطر منه الدم، وأشار بيده إلى التي سحرته فتخلى لها عن مكانه إشارة مَن نسي شيئاً على المقعد فلم تكد تقف حتى انفعل فعاد إلى مكانه وجلس وهو يقول لها في غيظ ابحثي عن حمار غيري فلست حماراً!
وأصفر وجه الفتاة بقدر ما أحمر وجه الفتى الظريف الناعم إلى من حوله وهو يدق يداً بيد ويقول إنها تقول لصاحبتها انتظري ريثما يقف حمار آخر فاجلسي؛ فيكون جزائي على إنسانيتي أن أكون عندها حماراً وأن يكون هذا مبلغ شكرها لي!
وكان حقاً أن نغضب جميعاً وأن يحاول كل منا أن ينفصل من حماريته بكل ما في طاقته، فقال كهل من الجالسين يخاطب الفتى:(ليس هذا جزائك على إنسانيتك وإنما هو جزاؤك على مصريتك وإنا في الواقع لسنا كرماء لضيوفنا بل نحن عبيد لهم.
أفْهِمْ أن تنهض لتجلس مريضة أو عجوزاً أو أماً بين ذراعيها طفلها أما أن تقف لهذه. . . أرأيت أجنبياً ينهض لمصرية قط؟ متى نفهم هؤلاء الأجانب أننا سادة في بلادنا وإذا كنا لا نستطيع الآن أن نفهمهم ذلك بأخذ ما في أيديهم مما بنوه في غفلتنا فلا أقل من أن يعلموا أننا صحونا. لا أقل من أن يفهموا أننا لم نعد بعد حميراً).
ونظر هذا الثائر الكهل إلى الفتاة المسيئة وقال لها في مثل شراسة النمر (أنزلي من هنا روحي في داهية). . . وتنمرت الملعونة كأنما تذكرت أيام الامتيازات ورأيتها بجوار الباب كالقطة وجدت نفسها في مأزق فعولت على أن تعض بأسنانها وتخمش بمخالبها. . .
ولكن النمر الغضب جذبها من ذراعها، ونادى السائق فوقف، وصرخت القطة صرخة جمعت علينا الركاب من العربة الأخرى وأقسم الرجل إن لم تنزل في وصاحبتها على أرجلهما فسوف يلقي بهما من النافذة. . .
وتساءل الناس وتألموا مما علموا وأجبرت الفتاتان على النزول وفي نظرنا أن كلا منهما تنتمي إلى اللطف ظلما، هذه بوقاحتها، وتلك بقبحها.
وخجل الشاب الذي استرد إنسانيته حتى ما يستطيع أن ينظر طويلا في وجه ذلك النمر الغضب. . .
وضحك أحد الجالسين يريد أن يذهب عنا الغضب، وقال أحب أن أعرف منذا يرضى بعد