هذا هو الغار المحجب سره ... رف الظلام به فما ينجاب
فيه ونور الحق أبلج مشرق ... دون البصائر ظله ونقاب
لا يستبين القلب منه مظنة ... فيها لسعي الطالبين رغاب
فعشاشة فيها الحمائم فرخت ... وعليه من نسج العناكب باب
صور يحار الفكر في تدبيرها ... عجباً وليس له بهن جواب
الله أكبر ذاك نصر محمد ... ما فيه شك أو به مرتاب
منعته كف الله من أعدائه ... فمضى على التوفيق وهو مهاب
لله درك يا أبا بكر فقد ... شدت بك الأوتاد والأطناب
وبك الشريعة قد توطد ركنها ... وسمت بها في المشرقين قباب
مذ جاءك النبأ العظيم وأنت في ... ظل النبي السائح الجواب
تفدى وتبذل عن يقي صادق ... لم يثن عزمك شدة وصعاب
في الغار كنت المفتدى خير الورى ... والقلب ظام والنفوس جداب
حين ابتليت بواثب متربص ... والسم منه تفحه الأنياب
والمصطفى حان عليك مطبب ... والجرح بلسمه الطهور لعاب
علمتنا معنى الوفاء ولم يزل ... لك في وفاء الصادقين كتاب
هذا الخضم أما له من شاطئ ... يا رب ترسو عنده الآراب
فالليل داج والمسالك وعرة ... فيها بروع الماخرات عباب
والمرفأ المأمول منه محجب ... ووراء عين الناظرين سراب
لولا هدى المولى تبارك وجهه ... ما لاح نجم أو أضاء شهاب
فسفينة الملاح يهدى سعيها ... صوت من الله العلي مجاب
الروح حاديها إلى شط السلا - م فكيف يستبق الخطأ جواب؟
هذي مشارف يثرب أئتلقت وأشـ ... رق بينها للصاحبين رحاب
وسرت مع الصبح المنور نفحة ... تهفو بها النسمات وهي عذاب
وغدا النبي ووجهه متهلل ... جذل فغمره ليلة تنجاب
ومواكب البشرى تحف ركابه ... وبها قلوب بالنشيد طراب