للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فقلت: أضعه لحظة، علّي أرى في المسجد ما يسر ويفرح بعد تلك المحزنات، وكانت الصلاة قد اقتربت، والمسجد لبعده، ولازدحام المساجد من حوله، كأنه خال فما فيه إلا أربعة صفوف، ونظرت فرأيت ثلاث فتيات سوافر كسائر نساء مصر، شعرهن يموج على أكتافهن، وأذرعهن بارزات كلها من الكم الياباني (الجابونيز) الذي يبدي ما تحت الإبط لكل ذي عينين، والسيقان مكشوفات لا جوارب تصعد لسترها، ولا ثوب ينزل لتغطيتها، ومعهن أمهن ترتدي هذه الملاءة ذات البرقع الذي لا يستر من الوجه إلا مداخل النفس من الأنف فقط، ويظهر الباقي كله. . . وأسرعت الأم وبناتها إلى حوض الماء يتوضأن، ويمددن أرجلهن لغسلها، فلا يبقى مستوراً إلا. . . الذي لم يكشف. . . ثم يقفن هكذا للصلاة. . . وفي المسجد مشايخ، رأوهن فلم يكلمهن أحد منهم، والخطيب رآهن فلم يعرض لهن، فنزعت (المنظار) وأغمضت عيني، وحاولت أن أنساهن وأتوجه إلى الصلاة، فلم أستطع، لأن صورتهن لا تزال (أقول الحق) أمام عيني. فإذا كن يلحقننا حتى إلى المسجد، فكيف نفر يا قوم منهن؟ وكيف يصنع الشاب العزب ليتقي إغراءهن؟

ألم يخطر على بال أحد من العلماء، والآباء، هذا السؤال؟!

ورجعنا و (المنظار) على عيني، ولكنه أخذ يكذب ويشوه الحقائق، فيريني خياماً من القماش في أول شارع الخديوي اسماعيل، وعليها لوحة تقول: أن هذه الخيام (إدارة تنظيم عمارة المدن). . .

فأقول: ينظمون عمارة المدن، ولا يستطيعون عمارة حجرتين من اللبن والخشب؟ هذا لا يمكن. . . وأهم بطرح المنظار، ثم أذكر أن هذا ممكن جداً في الشرق!

أليس يأمر الناس بالتقوى من غير تقياً، ويدرس البلاغة من ليس بليغاً، ويقود الأمة من يحتاج إلى من يقوده، ويعطي الأشياء فاقدها، ويولي الأمور غير أهلها؟!

وتابع (المنظار) الكذب، حتى إذا وصل إلى دار المفوضية السورية، وهي أفخم من أختها: الأمريكية والروسية!! زاغ (المنظار) عن كل ما في الدار، واستقر على (عقد الإيجار)، فأراني فيه رقم (٣٠٠) جنيه في الشهر، ثم ذهب بي إلى دمشق، فبصرني بآلاف التلاميذ يزدحمون كل سنة على أبواب المدارس، ثم يرتدون عنها لأنها لا تتسع لهم، وليس عند الوزارة ما تستأجر به دوراً جديدة، لأن أجرة الدار (٣٠٠) جنيه في السنة! ثم دار بي على

<<  <  ج:
ص:  >  >>