ومنهن ماريا الأسبانية النصرانية زوج الأمير محمد بن محمد ووالدة عبد الرحمن الناصر أعظم خلفاء الإسلام في الأندلس ويسميها العرب (مزنة)؛ ومنهن أخيراً (ثريا) النصرانية زوج السلطان أبي الحسن النصري ملك غرناطة، وهي فتاة أسبانية وأبنة قائد شهير، أخذت أسيرة في بعض المعارك التي وقعت بين المسلمين والنصارى وألحقت وصيفة بقصر الحمراء، فأحبها السلطان أبو الحسن وتزوجها؛ وكان لنفوذها ودسائسها أثر كبير في إضرام نار الحرب الأهلية في غرناطة وفي سير الحوادث التي أدت إلى ذهاب دولة الإسلام في الأندلس.
ظهرت صبح في بلاط قرطبة في أوائل عهد الحكم المستنصر بالله (٣٥٠ - ٣٦٦هـ)(٩٦١ - ٩٧٦م). ولسنا نعرف كثيراً عن نشأتها وحياتها الأولى؛ وكل ما تقدمه إلينا الرواية الإسلامية في ذلك هو أن (صبحاً) كانت جارية بشكنسية أي نافارية؛ ولا تذكر الرواية إن كانت قد استرقت بالأسر في بعض المواقع بين المسلمين والنصارى، أم كانت رقيقا بالملك والتداول؛ ولكنها تصفها بالجارية والحظية. وصبح أو صبيحة ترجمة لكلمة (اورورا) ومعناها الفجر أو الصبح الباكر، وهو الاسم النصراني الذي كانت تحمله صبح فيما يظهر. وكانت صبح فتاة رائعة الحسن والخلال فشغف بها الحكم، وأغدق عليها حبه وعطفه وسماها بجعفر، ولم تلبث أن استأثرت لديه بكل نفوذ ورأى. وكان الحكم حينما تولى الملك بعد وفاة أبيه عبد الرحمن الناصر قد بلغ السابعة والأربعين من عمره، ولم يكن رزق ولد بعد؛ وكان يتوق إلى ولد يرث الملك من بعده؛ فحققت أمنيته على يد صبح، ورزق منها بولد سماه عبد الرحمن سنة ٣٥٢هـ (٩٦٢م) وفرح بمولده أيما فرح، وسمت لديه مكانة صبح؛ ثم ولدت له بعد ذلك بثلاثة أعوام ولدا آخر سماه هشاماً (سنة ٣٥٤هـ)، ولكن الحكم رزئ بعدئذ بقليل بوفاة ولده عبد الرحمن فاشتد حزنه عليه، وعقد كل آماله على ولده هشام؛ ولبثت صبح تستأثر في البلاد والحكومة بكل نفوذ وسلطان. بيد أنها كانت وافرة الذكاء والحزم، بارعة في تدبير الشؤون، مخلصة لسيدها تعاونه في تدبير مهام الحكم بذكاء وبصيرة، وتسهر معه على سلامة الدولة والعرش. ولم تك صبح يومئذ جارية أو حظية فقط، بل كانت ملكة حقيقية. ولا تشير الرواية الإسلامية إلى أنها غدت زوجة حرة للحكم المستنصر بعد أن كانت جارية وحظية؛ ولكن هنالك ما يدل على أن صبحا كانت