صبح ملاذ حمايته ورعايته لدى الحكم، وكان وجود الحكم يحد يومئذ كثيراً من أطماعه ومشاريعه، ولكنه مذ توفي الحكم، وأضحت جميع السلطة الشرعية مجتمعة في يد صبح بوصايتها على أبنها هشام، أخذ يتأهب للعمل في طريق آخر، ويرى في خليلته صبح أداة صالحة هينة يستطيع أن يخضعها لإرادته، ويسخرها لمعاونته، وكانت صبح من جانبها تغدق كل عطفها وثقتها على هذا الرجل الذي سحرها بخلاله وقوة نفسه وباهر كفاياته، وتضع كل آمالها فيه لحماية العرش الذي يشغله ولدها الفتي. فلم تمض بضعة أيام على تولية هشام، حتى رفع ابن أبي عامر من خطة الشرطة إلى رتبة الوزارة، في نفس الوقت الذي أقر فيه هشام حاجب أبيه جعفر المصحفي حاجباً له، وهكذا أشرك ابن أبي عامر في تولي السلطة المباشرة مع المصحفي، ولم يعترض أحد من رجال القصر أو الحكومة على ذلك الاختيار سوى الحاجب جعفر، فقد كان يرى في هذا التعيين انتقاصاً لسلطته ونكراناً لجميله، بعد أن حمل أعباء السلطة كلها دهراً، وكان يرى في ابن أبي عامر بالأخص منافساً يخشى بأسه، ويرتاب في أطماعه ونياته ومن ذلك اليوم أضطرم بين الرجلين صراع عنيف صامت لم يك ثمة شك في نتيجته.