وقونقة بجوخها الأخضر والأزرق، وقرطبة بصناعة السروج ودباغة الجلود الخ. . وكان في قرطبة مصانع كثيرة مختلفة، تصدر أنواع السلع الأخرى إلى المدن الأندلسية، وإلى خارج البلاد أيضاً. .
العلم والأدب
نقل صاحب نفح الطيب عن ابن سعيد (مؤلف الحلة المذهبة في مملكة قرطبة): (أن عرب قرطبة كانوا يتفاخرون بثلاث: بأصالة
البيت، وبالجندية، وبالعلم. قال: وهي أكثر بلاد الأندلس كتباً، وأشد الناس اعتناء بخزائن الكتب، صار ذلك عندهم من آلات التعين والرياسة، حتى أن الرئيس منهم الذي لا تكون له معرفة، يحتفل أن تكون في بيته خزانة كتب، ويحتفظ فيها، ليس إلا لأن يقول: عندي خزانة كتب، والكتاب الفلاني ليس عند غيره، والكتاب الذي هو بخط فلان قد حصله وظفر به. . .)
وكان فيها مكاتب كثيرة كبيرة، تحوي أثمن الكتب وأجلها وأفضلها، ولهذا فاق القرطبيون غيرهم من أهل الأندلس والأقطار الأخرى، بكثرة علمائهم وأدبائهم، وبشدة إقبالهم على التعليم والتثقف، وعلى حبهم للعلماء والأدباء، واحترامهم لهم، ولصناعة العلم والأدب.
وكان للحكم الثاني في قرطبة مكتبة، فيها ستمائة ألف كتاب لها أربعة وأربعون فهرساً، في كل فهرس ٢٠ ورقة لأسماء الدواوين فقط!!. ويقول جستاف لوبون - بهذه المناسبة - إن شارل الحكيم الذي تولي أمر فرنسا بعد خلافة الحكم بأربعمائة سنة (١٣٦٤م) بذل جهده في أن يجمع أكبر عدد ممكن من الكتب للمكتبة الأهلية بباريس - حين أسسها - ولكنه لم يستطع أن يجمع أكثر من تسعمائة مجلد ثلثها دينية!. . .
وكانت الكتب تردها من بغداد ودمشق وخراسان والأستانة، وكان فيها ٨٠ مدرسة جامعة، يقصدها طلاب العلم الراقي والأدب الرفيع من أنحاء العالم المختلفة، ومنهم البابا سلفستر الثاني، وكان قد ذهب إلى أشبيلية فدرس فيها زمناً، ثم إلى قرطبة، وذلك قبل أن يصبح بابا (٩٩٩م)، وكان يسمى قبلاً الراهب جربرت، وممن تخرجوا في جامعات قرطبة، بطرس فنرابل وقسيس كولوني، وكذلك (شانجة) ملك ليون، وغيرهم كثيرون من الأوربيين الذين نذهب اليوم إلى جامعاتهم التي حلت محل الجامعات العربية، والله يغير