فهو في حالتيه حيران ألقى ... بيد الذل والهوان قياده
ومن قصائده أيضاً هذه الخمرية البديعة:
هيا اسقياني ثلاثاً واشربا قدحاً ... يا ساقيّ فزند اللهو قد قدحا
وأحييا دولة القصف التي دثرت ... وخليا الزهد للوعاظ والنصحا
وبادرا فرص اللذات واجتنبا ... من لام في رشف كاسات الطلا ولحا
فقد خلعت عذارى غير معتذر ... ورحت أرفل في برد الصبا مرحا
وقلت للرشد مالي فيك من أرب ... فارحل وقمت بثوب الغيّ متّشحا
وفيها يقول بالتورية:
فعاطياني وعين النجم شاهدة ... شمساً يقصّر عن أوصافها الفصحا
لو أن عائبها قد ذاق لذتها ... ما كان عاب لها كأساً ولا (قدحًا)
وعلى ذكر التورية هنا أقول إنه كان ولوعاً بها مجيداً لها، فمن ذلك قوله في الرثاء:
يا راحلاً فيه ذقنا ... ما كانا منه احترزنا
كم قد حوينا هموما ... لما رحلت (وحزنا)
ومن محاسن اقتباساته قوله:
ومليح له سلاسل شعر ... وقلوب الورى بهن أسارى
كلما جال طرفه ترك النا ... س سكارى وما هُم بسكارى
وقوله أيضاً:
قد كنت سليماً لا تدري ... ماَ حلو الوصل من الهجر
فأطعت النفس وشهوتها=إن الإنسان لفي خسر
وللشاعر في التخميس والتشطير مقدرة عظمى تشهد له بالتمكن في النظم مع سمو الخيال، واتساق المعنى، وقد نظم في ذلك مقطوعات كثيرة لفحول الشعراء فخمس أغلب القصائد والمقاطيع المتداولة على ألسنة أهل الأدب للمتنبي، والكمال ابن النبيه، وتقي الدين السروجي، والمعري وغيرهم، وكلها في غاية الطرافة والحكمة، ولولا طولها وكثرتها لأوردت هنا طرفً منها لإثبات كفاية هذا الشاعر النادر، وأنا لذلك أكتفي بذكر تشطيره للبيتين المنسوبين إلى إبليس - على سبيل المثال - قال: