لأن واجب الناقد هو التعرف على مبلغ الجودة فيما ألف وصنف - وليس للجودة في طبيعة الشعر سوى الذروة السامقة مقاماً - والشاعر أباظة باشا، رسم لنا في روايته هذه بعض مشاهد من أخريات حياة (الناصر) ولمحة من حياة وليده (الحكم) ولي العهد، وعبد الله، أما الحكم فقد كان مفتوناً بحب الجارية (شفق) وهي فتاة إسبانية أسيرة تبناها الناصر وصغى قلبها إلى ولي العهد، ولكنها متحيرة حيرة الوفاء، وحيرة الإنصات إلى الهاتف الداعي إلى واجب الوطن والأهل. وكذلك رسم لنا صورة (لعبد الله) المأتمر بعرش أبيه، وأخرى للسيدة (الزهراء) زوجة الناصر وقد عرفت بالجمال الفاتن والرأي السديد، وصورة ثالثة بالغة غاية الأمانة والصدق لشخص الجاسوسة (منى) وقد تركزت إرادتها في العمل على دك سلطان العرب في الأندلس، واجتثاث حكمهم فيها، وإعادة أهلها إلى الاستظلال بعرشهم المسلوب.
وهكذا دارت الرواية حول هؤلاء الأبطال الذين يضمهم القصر، ويجذبهم العرض، وتتعارض بينهم الأغراب والمآرب، تارة في حوار متصل أو متقطع بين شخصين أثنين أو أكثر من شخصين، وتارة أخرى بنفس طويل صاخب أو رقيق هماس، أو بروح رضية عقلية أو وجدانية.
لاشك عندي في أن المؤلف قد أجاد في جعل شخصيته الخاصة تعيش في المواقف التي تخيلها، وكذلك أجاد مرة أخرى في أنه سما في شعره فجعل الشخصيات البارزة في الرواية تقف الموقف المتخيل في ذهنه هو. وإني أقتبس بعض أبيات من مواقف (للحكم) من حبيبته (شفق) ومن موقف لهذه الجاسوسة (منى)، وشذرات مما جاء على لسان الناصر للتدليل على ما ذهبت إليه في وصف شعر الشاعر. الحكم:
يا منية النفس قد أدركته أملاً ... رفّعت له النفس أعواماً وأعواماً
أذكيت في القلب وقداً قد سموت به ... فكان حباً وتقديساً وإعظاما
لو لم تكون فدتك النفس غانمة ... لكنت عتباً أشواقاً وأحلاما