اقتضى الحال أن يعمل أحد الأشخاص عملاً يحتاج إلى نقلة أو رحلة عمله خارج المسرح ثم نبأ به المشاهدين في وقته المناسب. وكانوا يريدون بوحدة الزمان ألا يستغرق العمل الروائي أكثر من أربعة وعشرين أو ست وثلاثين ساعة. وكان أرسططاليس يحتم ألا يتجاوز هذا الزمن دورة الشمس. وعلتهم في اشتراط هذه الوحدات الثلاث مجاراة السلف من الإغريق في سلوك هذه الطريقة، والمحافظة على الإمكانية بمقاربة الحقيقة؛ فإن الذوق السليم يقتضي أن ما يمثل في ثلاث ساعات أو أربع يكون قد حدث حقيقة أو فرضا في زمن يسير ومكان واحد. ولكن المحدثين يقولون لماذا تستطيع المخيلة أن تتصور الحادث لذي أتت عليه القرون حاضراً، ولا تستطيع أن تتعقب الحادث من مكان إلى آخر؟ وإذا قبلت مخيلاتنا أن يمثل لها في ساعة أو ساعتين ما لا يحصل إلا في يوم وليلة، فكيف ترفض أن يمتد العمل إلى ما وراء ذلك؟
الواقع أن الكتاب يتوسعون في هذه القاعدة حتى القدماء منهم ما داموا محتفظين بالإمكانية ووحدة الجاذبية. وقد أصبح اليوم تغيير المكان وتطويل الزمان من الأمور الميسورة على المسرح الحديث، فعالجوا الأول بإرخاء الستار هنيهة ريثما ينتقل الممثلون إلى مكان آخر - والستار ميزة لم تكن لمسرح القدماء من قبل - وعالجوا الثاني بتقسيم الرواية إلى فصول يفرضون مرور الزمن الذي يريدونه في الفترات القصيرة التي تتخللها. على أن هذا الزمن وإن يكن غير محدود لا ينبغي أن يطول حتى يخرج عن حدود الإمكان، فلا يجوز مثلاً أن يكون البطل صغيراً في الفصل الأول ثم يدركه المشيب في الفصل الأخير.
أما السرعة فيجب أن يكون العمل في الرواية أسرع منه في الملحمة، لأن الملحمة مسرحها الطبيعة، ومرماها ذهن القارئ، فهي تحتمل من التطويل والتفصيل والاستطراد والوصف ما لا تحتمله الرواية لضيق مسرحها وقرب مداها. فهي لابد أن تبدأ في عنفوان العمل وعلى مقربة من الحل، لأن طبيعتها من قوة الحركة وشدة الاندفاع، وما تحدثه في نفس المشاهد من شدة القلق وقوة الانجذاب، تأبى الإسراف في خلق الظروف وابتكار الوسائل، فلا تسيغها إلا بقدر الحاجة الملزمة. فالرواية ولا سيما المأساة، سيل يقطع السدود ويقتحم الحواجز، ولكن الملحمة نهر فياض ينحدر هادئاً طليقاً إلى مصبه، فيطول مجراه بكثرة منعطفاته وتعدد محانيه. وإذا امتازت الملحمة بالتنوع والغزارة والفخامة، امتازت المأساة