للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القطبية ترتفع درجة وفي الجنوب تهبط درجة. ثم قاسوا

المسافتين ووجدوا الوسط بينهما، ولكنهم أتخذوا الرقم الأكبر

منهما وهو ٣٢ ٥٦ ميلاً

وغير هؤلاء الذين ذكرناهم، قام أناس كثيرون من العرب أتوا بأبحاث جليلة مختلفة في شكل النظام الشمسي، وتعليقات شديدة النقد على النظام اليوناني لا يسعنا ذكرها الآن.

قد يبدو النظام اليوناني للبعض بسيطاً بالصورة التي شرحناها، ولكنه في الحقيقة معقد وغاية في الصعوبة، وفيه كثير من المتناقضات لعدم ثبوته على أساس راسخ، والذي زاد في المسألة تعقيداً هو نظرهم للظواهر كما ترى لا كما يستسهلها العقل البشري.

فتعقد النظام اليوناني وتناقضه، من كثرة ما زيد عليه من الكرات والدوائر الصغيرة، ولد الشك في قلوب الكثيرين من العرب. وهذا الشك هو الذي حرضهم على البحث والتدقيق في ملاحظاتهم، وعلى التأمل في نتائج أرصاداتهم في الكون، وربما يمكن أن تكون أسباب التناقض وعلل النقائص ومسببات الحركات الشاذة والمختلفة التي لاحظوها ولاحظها اليونان من قبلهم. لكن هذا الشك الذي نرى في كثير من شروحهم ومؤلفاتهم لم يتخذ طريقاً محسوساً معيناً يمكن معه أن نسميه انقلاباً علمياً كالذي قام به كوبرنيكس وكبلر وغاليلو فيما بعد.

ومع أن العرب لم يتوصلوا إلى اكتشاف جديد في ميزة هذا الكون العجيب، وتعليل ظاهراته تعليلاً صحيحاً، فإن دقة ملاحظاتهم وحسن ترتيب نتائج أبحاثهم، جعلتهم يفوقون الإغريق ويبذونهم في أشياء كثيرة. فقد مهدت السبيل لاكتشافات مقبلة، وجعلت فكرة النظام اليوناني سهلة التغيير قابلة للانقلاب إلى الفكرة الصحيحة، حتى لم يكن بينهم وبينها إلا مسافة قصيرة جداً بدليل أن كوبرنيكس مبتدع الفكرة الجديدة لم يتوصل إلى ما توصل إليه إلا بعد مراجعة كتب العرب، وقد عاش بعد ما انطفأ نور العلم في الشرق بمدة غير طويلة

فرح رفيدي

<<  <  ج:
ص:  >  >>