العينين في تخشع (عم على. . . . لم تضربني.؟ أنت أخرجتني) وكان أحرى به، أن يقول: يا ايها الغول أو (يا عم الدب) وقال الغول في صوته الفظيع وكأنما يريد أن ينشب أظافره في عنق هذا المسكين (لأنك لا تريد أن تبقى حتى أتى بغيرك).
وامتلأت حنقا وألما لهذا البغي يقع من الغول صاحب راس المال على الفريسة المسكينة ذلك العامل الضعيف، ولو كنت في ملابسي التي اخرج بها إلى الشارع لاقتحمت على الدب كهفه ولو ادى الأمر إلى وقوعه بين أنيابه.
ونظرت فإذا فتى في مثل عمر المضروب وفي مثل قامته وجرمه، يقف أمام الدب ويسأله في عنف والشر ملء وجهه وقد تجمع السابلة والألم في وجوههم جميعا (لم تضرب هذا الرجل؟. .) ونظر إليه الدب نظرة استهزاء ظن إنها حسبه ليخاف وعاد يضرب العامل مبالغة منه في عدم المبالاة فما كاد يرفع كفه حتى نزلت على صدغه هو، اي والله على صدغ الدب السميك، كف ذلك الفتى! ودهش الناس جميعا وتحمس بعضهم فصفقوا وهرول الغول إلى دكانه فاحضر سكنيا، ولكن الفتى باغته بكرسي ألقاه على رأسه، ثم اختطف سكينة واخذ بتلابيبه بيده ورفع السكين بالأخرى قائلا (هيه. . . افتح كرشك يا. .) واخذ الناس السكين من الفتى وخاف البعض عليه من الدب، ولكن ما راعنا جميعا إلا الدب يرتمي على الأرض كأنه جذع شجرة ضخم والناس يصفقون للفتى ضاحكين معجبين. .
ونهض الفحل ثقيلا مستخزيا واستنوق الجمل، وحال الناس بين الفتى وبينه وإن الفتى ليتوثب ويتهدد، ولست ادري لم طرأت على ذهني وقتئذ صورة ديكتاتور إيطاليا وكيف لبث يخوف العالم زمنا حتى اكتشف أمره.
وحسبت أن بين الفتى وبين ذلك العامل المسكين صلة من قرابة أو نسب، ولكن لم يكن بينهما كما علمت شئ من ذلك حتى ولا مجرد المعرفة ونزلت إلى الشارع في ثياب البيت لأقابل البطل إذ يمر ببابنا بعد أن دخل ذلك الجمجاع دكانه لا يلفظ كلمة، ومددت يدي للبطل وقلت (أترضي أن تتخذني صديقا) فضحك وقد فظن إلى أني رأيت كل شئ وقال في تأدب (يا فندم أنا محسوبك) وعزمت عليه فشكرني ومضى وأنا معجب بنخوته أسال الله أن يكثر من أمثاله.