السياسة اللئيمة سبقاً يكفل للشعوب العربية أن تعرف الوجه الذي تسير فيه. فلا مناص إذن من أن تتفق كلمة الدول العربية على أن لا تعقد إحداها معاهدة قط مع إحدى الدول المستعمرة، وعلى أن لا تقبل تقسيم القضية العربية إلى أجزاء، وعلى أن تكون دعوتها ودعوة شعوبها صرخة واحدة مجتمعة في وجه الاستعمار على اختلاف ألوانه وأسبابه والقائمين به، وهى الجلاء الناجز عن بلاد العرب جميعاً، ثم عن بلاد الإسلام كلها في نواحي الأرض. فإذا توانت حكومات العرب، وإذا تلجلجت الجامعة العربية؛ فمغبة ذلك أن تفوت على هذه الشعوب زمناً يطول أو يقصر، كانت خليقة أن تبلغ فيه ما تريد من نيل الحرية الكاملة، والاستقلال الناجز التام.
إن ضعف القائمين بالسياسة العربية، لا ينتهي إلا إلى ضياع الوقت وضياع الحقوق. ونحن لا نطالب المستعمرين بشئ، لأنهم لا يملكون شيئاً هم قادرون على أدائه. إنهم مغتصبون، وهم يملكون أسباب القوة المادية ونحن نملك أسباب القوة الروحية، وهم ظلام ونحن لا نرضى بهذا الظلم، وهم يتحكمون بالاستعمار والاستعباد، ونحن نتعالى عن الاستعمار والاستعباد. فهذه القوة التي انطوى عليها حقنا، يقابلها ضعف ينطوي عليه افتياتهم علينا. ومصير ذلك كله إلى الغلبة والنصر إذا أحن رجالنا الاستعداد لهذه الموقعة الفاصلة في تاريخ البشر.
لم يبق شئ في تاريخ البشر يحمل طابع الفساد والبوار والدمار، إلا هذا الجشع الذي يحمل أمم الغرب على إن يضعوا أيديهم على كنوز العالم؛ ليقاتل بعضهم بعضاً في حرب مبيدة مدمرة. وقد عرف هذا الغرب أن الشرق كنوز كله؛ فهو يجاهد أن يستولي عليها بما استطاع من الحيلة ومن اللؤم، ومن إهدار الكرامة الإنسانية، ومن قلة المبالاة إفساد هذا الشرق وإفساد أهله حتى ينال منه منالاً يكفل له حرية التصرف في كنوزه. فعلينا أن نقف حُراساً على كنوزنا لا نبيحها بعد اليوم لأحد. وعلى رجال السياسة منا أن يغيروا مناهجهم السياسية تغييراً تاماً يقوم على أساس واحد، هو أننا لن نعاون هذا الغرب على الفجور في الأرض، وأننا نمنع عنه مادة الفساد التي يريدها لتدمير حضارات العالم، وأننا قد عزمنا أن ننشئ مدينة جديدة وحضارة جديدة لا تقوم على الجشع ولا على الاستبداد. وأننا أحرار في بلادنا كل الحرية وإن اجتمعت دول العالم كله على إنكار هذه الحرية. ولا يصل العرب