للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

طريق واسع وسور مرتفع، ثم حقول مترامية الأطراف يغشاها السكون وتلفّها الوحشة. وزوجة أخيها امرأة ضيقة الفكر واسعة العمل حيية الطبع لا تحب الاجتماع ولا تحسن الحديث. فهي لا تمتلك في هذه البيئة وهذه الطبيعة إلا أن تزجِّي فراغها الثقيل بقراءة قصة أو كتابة رسالة أو رسم صورة أو نسج قطعة. ولكن وجهة آمالها وحديث أحلامها أن تكون يوماً ما أديبة. وقد قرأت لي (آلام فرتر) و (رفائيل) فراقها الأسلوب وسحرها الروح. وهي تطمح أن تبلغ من الفن الكتابي مبلغاً يهيئها أن تعبر عن نفسها هذا التعبير، وأن تكشف عن روحها هذا الكشف؛ وتطلب مني في ابتهال وضراعة أن أجيب عما ترسل إليّ من رسائل، فأوجهها إلى ما تقرأ، وأحاسبها على ما تكتب، وأناقشها فيما تفكر، وأملأ يومها الفارغ الطويل بتحرير الكتب إليّ، وانتظار الأجوبة مني؛ وذلك فيما تزعم جزء من رسالة الأديب الذي اصطفاه الله ليجمّل بفنه قبح الحياة، ويخفف بعلمه شقاء الناس.

إن الرد على ما يأتيك من الرسائل واجب، وهو بالطبع على رسائل السيدات أوجب؛ ولكن هناك - ولا أكْذِبك - دافعاً أقوى من الواجب، هو تلك اللذة الطبيعية التي يجدها الرجل في الحديث إلى المرأة أو عن المرأة. لذلك لم أكد أقضي حاجة النفس من جمال تلك الرسالة، بإجالة الفكر في الأسلوب، وإطالة النظر في الخط، حتى كتبت الجواب عنها إلى الفتاة بأسلوب أب يحاول أن يكون لابنته كما تريد، ويجتهد في أن يفتح أمامها باب الأمل من جديد.

للقصة بقايا

أحمد حسن الزيات

<<  <  ج:
ص:  >  >>