ومن هذه النصوص يظهر للباحث أن شريعة اليهود تنص على القصاص في كل الحالات دون ذكر العفو عن أية حالة منها.
القتل في الإنجيل:
جاء في إنجيل متي:(سمعتم أنه قيل عين بعين وسن بسن وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر؛ بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له خدك الأيسر، ومن رأى أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضاً، ومن سخرك ميلاً واحداً فاذهب معه اثنين)
وبمقارنة هذه النصوص مع نصوص التوراة نجد أن الأولى تقرر العفو دون القصاص مما حدا ببعض الناس إلى القول بأن الإنجيل لا يجعل القتل من شرائعه - وقال آخرون إن الذي لم يذكره الإنجيل إنما هو القود؛ إذ أن الدية كانت واجبة في جريمة القتل العمد، وأنكر ذلك الشخ الإمام محمد عبده في رواية عن السيد رشيد رضا. ويتفرع عن هذا البحث آراء كثيرة لا يتسع الموضوع لذكرها الآن؛ غير أننا نلاحظ فارقاًَ بيننا في تقرير عقوبة القتل في كلا التشريعين السابقين - فبينما نرى التوراة تميل في تشريعها إلى جانب المجني عليه فتفرض القصاص وتتجاهل العفو نجد الإنجيل يفرض العفو على ولي الدم ويمنع مقابلة الجرم بمثله؛ ولذلك يقال: إن في التشريع الأول تفريطاً في شأن الجاني وفي التشريع الثاني إفراطاً في النظر إليه.
القتل عند البدو:
كان العرب قبل الإسلام أمة فطرية تعيش على البداوة بنظامها وعاداتها الخاصة - وقد شاع في بيئتها القتل وجرت عاداتها على قتل القاتل - ولكن بالنسبة لما جبلت عليه العرب من الحمية الجاهلية والعصبية وكلفهم بالأخذ بالثأر أسرفوا في القصاص وتمادوا فيه فأصبحت الجماعة تقتل بالواحد دون النظر إلى قواعد العدل والإنصاف، ولم يرفع هذا الظلم إلا بنزول القرآن وظهور الإسلام.
القتل عند الرومان:
يتساوى الرومان والعرب في أن جريمة القتل عرفت عندهم من قديم الزمان واعتبروها عقوبة لنفس الجريمة - غير أنهما يختلفان في ناحيتين جوهريتين.