الحق أن علماء كل علم عجزوا عجزاً تاماً عن يجاروا الشخصيات في كل مناحيها، وأن يسيروا وراء تحديدها تفصيلاً، ووجدوا العمر لا يتسع لهذا ولا لبعضه، فعنوا بوجوه الشبه أكثر مما عنوا بوجوه الخلاف، وعنوا بالموافقات أكثر مما عنوا بالفروق، وفضلوا أن يضعوا مسميات شاملة وإن شملها الخطأ، وأن يضعوا قواعد عامة وإن عمها الغموض والإبهام، وقالوا ليس في الإمكان أبدع مما كان.
هذه الشخصية لكل فرد هي التي ميزته عن غيره من الأفراد، وجعلتني أنا أنا، وأنت أنت، وهو هو، ولولا هذه الشخصية لكان أنا وأنت وهو شيئاً واحداً - هذه الشخصية هي مجموع صفاتك الجسمية والعقلية والخلقية والروحية، تتكون من شكلك ونظراتك ونبراتك وطريقة حديثك، ودرجة صوتك من الحسن أو القبح، وإيمائك وإشارتك كما تتكون من عقليتك وكيفية قبولك للأشياء، وحكمك عليها ومقدار ثقافتك - كما تتكون من تصرفاتك وموقفك نحو المال ودرجة حبك له؛ وعلى الجملة كل علاقتك بالحياة، وكل علاقة الحياة بك - وإذ كان الناس مختلفين في هذا كله اختلافاً يسيراً أو كثيراً كانت الشخصيات كذلك مختلفة، وبين بعضها وبعض وجود شبه في بعض الأشياء، ووجود خلاف في بعضها، وكانت بعض الشخصيات تتجاذب وتتحاب، وبعضها تتباغض وتتنافر - وفي الواقع إن معنى أحبك أو أبغضك، وأعرفك أو أنكرك، أن شخصيتي تحب شخصيتك أو تكرهها، وتعرفها أو تنكرها وصَدَق الحديث (الأزواج جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف) وليس معنى حب الشخصية لشخصية أخرى أن الشخصيتين من جنس واحد، وإن ميولهما متقاربة، بل إن ذلك يرجع إلى قانون أكثر تعقيداً مما نظن، فقد يتحاب الشخصان لأن ميلهما العلمي في اتجاه واحد، أو ميلهما إلى كيف من الكيوف متحد، وقد يتحاب الشخصان لأنهما مختلفان ويكمل نقص أحدهما الآخر، كما يحب أحياناً كثيرُ الكلام قليلَ الكلام، وكما يحب الساكن الهادئ المتحفظُ المَرِحَ النشيطَ المتحرك، وكما تتعاشق الكهربائية السالبة والموجبة - على كل حال ليس قانون تجاذب الشخصيات وتنافرها قانوناً بسيطاً سهلاً يمكن الفصل فيه بكلمة.
هذه الشخصيات الإنسانية تختلف قوة وضعفاً واختلافاً أكثر مما بين الآلات الميكانيكية والمصابيح الكهربائية، فهذه شخصية عاجزة ضعيفة ذليلة، لا يكاد يتبينها الإنسان إلا