الوقت الذي يحجبه فيه الدكان وهو ما خرج ورفيقه من دارهما إلا لتعجب بهما الغانيات! وصحبه رفيقه إلى الباب وقد أبصرا من بعد في ضوء المصابيح بعض الفتيات، وعادا ينتقدان ساقي هذه ويمتدحان قوام تلك؛ ثم جلسا يستعرضان في ضحك وتحمس ما يعجبهما فيمن يعرفن من كواكب السينما من سيقان وعيون وشفاه، وكل منهما يدافع عن وجهة نظره في قوة، كما لو كانا يتجادلان في مسألة من مسائل العلم أو الأدب أو الاقتصاد، وهيهات أن يبقى ما برعا فيه من علم الجمال وما حفظاه من أسماء الكواكب الزهر في رأسيهما فراغاً لشي من ذلك الجد وهما بعد كما عرفت من كلامهما طالبان في الجامعة. . . وجاء الخياط فسأله الأصغر عما عنده من قماش، ونظر نظرة في الألوان وسأله عما يطلب ثمناً لبدله منه؛ فقال الخياط أربعة وعشرين جنيهاً. وإذ ذاك ألقى الفتى بالقماش من يده، وقال وهل ألبس بدله بأربعة وعشرين جنيهاً؟ وتملقه الخياط بقوله إذا كان مثلك يا سعادة ألبك لا يدفع هذه القيمة فمن يدفع؟ وضحك الفتى ورفع رأسه وتأبه وشمخ بأنفه وقال للخياط أريد بدله كهذه وأشار إلى بدلته، لقد أخذ خياطي ثمناً لها خمسين جنيهاً. . . وكأنما أراد الفتى أأن يبين للخياط بدليل آخر مبلغ جهله بقدره، فأشار إلى رباط رقبته وسأله كم تظن ثمن هذه الكرافتة؟ فقال الخياط لا يقل عن جنيه ونصف يا سعادة ألبك! فضحك الفتى ثانية ضحكة مازجتها الكدرة وقال ثمنها ثلاثة جنيهات ونصف. . ثم سلم هو وصاحبه وخرجا من الدكان. . ونظر إلى الخياط وقال لهذا السبب ينجح الخواجات فما يهم الواحد من هؤلاء اللاعبين بالمال إلا أن يقال إنه يلبس بدله ثمنها كذا، أما قيمتها الحقيقية فآخر ما يفكرون فيه، وفي البلد آلاف بل ملايين لا يجدون بضعة أمتار من الدمور. .
وملت بموضوع الحديث عن وجهته لما في نفسي من ضجر وغيظ من الخياط الناقد، فقلت وهل ينجح الخواجات بهذا وحده؟ فهز رأسه مستفهماً فقلت: وبصدقهم في المواعيد. . . ومضيت بدون بدلتي ضجراً من خلف الخياط وإن بقي لكلماته أثر قوي في نفسي ظل يذكرني أياماً بالجنيهات الخمسين وبضعة الأمتار من الدمور