للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولدوج وكما فعل بلوتارخ في الأقدمين، ومن المؤرخين من أصطنع هذا في غير الشخصيات كذلك، وما أظن خلود جيبون إلا لأنه كان أديباً في كتابه ومؤرخاً معاً، وأنا أستطيع أن أفعل مثل ذلك على قدر طاقتي، واحسبني فعلته في كتابي فأوردت الحقائق وتقيدت بها ثم أضفى خيالي الأدبي ما شاء (من ألوان زاهية على ما كتبت وما صورت من مواقف) ولكن دون أن أضحي بالحقائق أو أفكر تفكير المتمني؛ وإذا كان الأستاذ الناقد قد أورد ما أورد من الشواهد ليؤيد بها خطابتي، فليت شعري لم اقتصر عليها، ولم يورد شواهد من براهيني ومناقشاتي وتحليلي؟ أذلك لأنه يريد أن يجعلني على رغمي أفكر تفكير المتمني؟

أؤكد للأستاذ الفاضل (زيتون) أني ما أردت بردي هذا دفاعاً عن كتبي بقدر ما أردت أن أبرهن له أن ما سماه تفكير المتمني لن يكون في كتابة كاتب وتسمى مع ذلك تأريخ فقط، وأنا أعاهده وأشهد القراء على عهد هذا، أنه أن دلني على شيء فيما كتبت لا يستند إلى دليل، أخطأت فيه أو أصبت، فلن أكتب تاريخاً بعد ذلك أبداً، ولعله لا يتبرم، بما في عهدي هذا من خطابة، ولعله واجد فيه منطقاً، أو على الأقل، شيئاً يشبه أن يكون منطقاً.

أما عن وراء المنظار، فإنه يقول: أن دقة التصوير التي زادت فيه عن حدها قد أنقصت بعض الشيء من قيمة هذا الكتاب الفنية، وأحب أن أقول أن هذه الدقة التي زادت عن حدها هي أقوى مدح يوجه إلى مثل هذا الكتاب وهي جوهر فنه، فهو ليس بقصة فيها أحذف شيئاً من الطبيعة وأضيف شيئاً)، وإنما هو (من وراء المنظار) أعني أني أكتب ما أرى وكلما توافى لي من الدقة قدر كنت إلى هدفي أقرب. . . وليت لي حقاً هذه الدقة التي زادت عن حدها، فإنه لم ينلها إلا كل طويل الباع من القصصيين الواقعيين وهي مجال سبقهم وموضع تبريزهم.

هذا، وللأستاذ (زيتون) صادق مودتي وعظيم شكري على ما تفضل به علي من ثناء أرجو أن أظل عاملاً عليه.

الخفيف

<<  <  ج:
ص:  >  >>