مضت الأيام وتوالت الشهور دون أن يعنى كثيراً بزيارة أقاربه حتى أحسّ يوماً بالمرض يسري في جسمه، وإذا هي الحمى، وإذا هو مضطر أن يستريح كما أشار عليه الطبيب، ولكن أين يجد الراحة وهو (أعزب) ليس في منزله من يعنى به أو يهتم بأمره، وهو مضني لا يكاد يستطيع الوقوف على قدميه. إذن لتكن دار خاله ملجأه اليوم في مرضه، لعله يجد فيها بعض الراحة مما يعاني.
لقيه أهله في عطف، وأحاطوه بقلوبهم، ووقفت إلى جوار سريره (زينب) لا تكاد تخرج من بين شفتيه كلمة حتى تسعفه بما يبغي، وتقوم له بما يحتاج، وما تكاد الساعة تدق حتى تسرع إلى الدواء تسكب له منه بالقدر الذي أشار به الطبيب، وهي ما تفتأ بين الحين والحين، تضع يدها على جبينه تجس بها حرارته. كانت تقضي النهار إلى جواره، وتقطع الليل أو أغلبه حول سريره، ما يكاد يلمع ضوء الفجر حتى تهب إليه تسأله في كلمات رقيقة عذبة، ألم يشعر بتحسن؟ ألا يزال يمقت ماء الشعير؟ أتستطيع أن تحضر له مقداراً يغذي جسمه وتستريح به معدته؟ وهي إلى جانب هذا لا تنقطع كلما صحا من نومه المتقطع تعمل على راحته وتسعى جهدها لتغتصب الابتسامة من بين شفتيه اغتصاباً، واشتدت به العلة يوماً فارتفعت درجة حرارته، وأغمض عينيه، ووقف حوله أهله يبتهلون إلى الله من أجله، حتى إذا كان الليل وهدأت الحياة، واستسلم الجميع للنوم، أفاق أمين قليلاً وارتفع جفن عينه المغمض فإذا هو يواجه (زينب) إلى جواره تنظر إليه بعين قد التهبت من البكاء.
ماذا؟ هل تبكين؟ ثم انهمرت من عينه دمعة لعلها أول دمعة تفيض بها عينه منذ وفاة والدته.
توالت الأيام وزال عن (أمين) ما كان قد أقعده فعاد إلى عمله يستعيد مع الأيام الطويلة بعض الذي فقده.
لم يكن يعيش مع أقاربه في مدينة واحدة، بل كان يعمل في (منطقة) من مناطق الأوقاف القريبة من طنطا فلم يكد يقطع اليوم الأول في مقر عمله حتى أحس في أعماق نفسه شعوراً قوياً يدفعه إلى العودة.
إنه يحن إلى طنطا، بل هو يحن إلى منزل أهله. طغى على قلبه شعور قوي لم يكن يدركه