ولقد صحب هذه الحركة مواقف غاية في النبل والشجاعة، والإيثار. . . فمن ذلك أن الإنجليز طلبوا إلى الوزارة اعتقال زعماء الحركة ونفيهم فأبت الوزارة هذا، وردت على الإنجليز بأن (رؤساء الإضراب هم زهرة الشبيبة المصرية فلا نقبل أن يهابوا، ولا نستطيع تحمل مسئولية اعتقالهم، وإذا بدا لقوة أجنبية أن تعتقلهم فسنكون نحن (الوزراء) أول الثائرين. . .)
والذين سمعوا بأيام الحماية، وعهود المستشارين والإشراف، واستئثارهم بالحكم والنفوذ يعرفون إلى أي حد كان رشدي باشا رجلا فذا ومثلا نادراً في الشجاعة والاستبسال، ويعرفون إلى أي حد ظلم الموظفون الرجل، وحرموا حكومته من العون والتأييد. . .
وأراد الإنجليز أن يأخذوا الموظفين بإضرابهم فجاء في أهرام الخميس الأول من مايو سنة ١٩١٩ منشور الحقانية بعنوان (موظفوا الحكومة أيام إضرابهم عن العمل): تقرر مبدئيا قطع مرتب مدة الإضراب وقدرها سبعة عشر يوما من ٣ إلى ٥ إبريل ثم من ٩ إلى ٢٢ منه - من جميع الموظفين والمستخدمين الوطنيين مع حفظ الحق في إبداء المعارضات. أما إعانة المرتب فتصرف كاملة طبقاً للتعليمات الخاصة بها)
وقبل الموظفون ذلك، ولكنهم طالبوا ألا يعامل صغار الموظفين بذلك. . . ويثور هؤلاء ويأبون أن يكونوا أقل من رؤسائهم بذلا وتضحية حتى يقنعهم الرؤساء بقطع الرواتب عن نصف مدة الإضراب.
هذه صفحة من تاريخ اليقظة المصرية نفض من عليها غبار الليالي. وكم من سجل الثورة المقدسة من صفحات يجدر بالمصريين أن يرجعوا إليها، وأن يقفوا عندها. . . ليتأملوا ماضيهم، حتى يتدبروا حاضرهم، ويرسموا مستقبلهم. . . ويربطوا حلقات جهادهم الموصول. . .