الخاص، فأحيت أمله، وبالغت في إحياء هذا الأمل حين أهدت إلى الأستاذ باقة من الزهر الصناعي صنعتها بيدها، وأرسلت معه أبياتاً من الشعر لا قيمة لها، ولكن الفيلسوف رآها آية من آيات البيان.
وزارها الفيلسوف ذات يوم فإذا هي متعبة تلقى من الآلام جهداً شديداً فتحدث إليها وأطال الحديث واطمأنت هي إليه اطمئناناً شديداً، فلما نهض لينصرف اختلس قبلة من فمها، ولكنه لك يكد يبلغ بيته حتى كتب إليها كتاباً مشهوراً يعتذر فيه من هذه القبلة، لأنه لم يكن يثق حين اختلسها بأن نفسه كان نقيا طيب النشر. وردت عليه في هذه السذاجة البديعة:(لا بأس عليك فأنا التي منحتك قبلة صديقة مخلصة).
ويشتد المرض والفقر بالفتاة. ويشتد الهيام والبؤس بالفيلسوف، وتزول بينهما الكلفة، وتكثر الزيارة عندها وعنده، ويعرض عليها خادمته لتعينها على الحياة. فتأبى، وتقضي الشتاء وحيدة عاملة لا يسليها عما تجد الا زيارات الفيلسوف لها وعطفه عليها، وقد عرضها على الطبيب فقدر لها مرضاً أخذ يعالجه وهو بعيد كل البعد عما كانت تجد. واشترك الفيلسوف في الأوبرا على فقره ليسلي صاحبته بالموسيقى من حين إلى حين. ولكنه لم ينس الحب ولم يفكر في الأعراض عنه فهو ما زال يلح على الفتاة ويتقاضاها هذه الصلة المادية التي تتوج ما بينهما من ائتلاف العقل والقلب وهي تأبى حتى إذا أثقل عليها فأسرف. كتبت إليه تذعن لما يريد. وهي تقول: إنك تطالب بأجر ما تبذل لي من ود ومعونة فلن أماطل في تأدية هذا الأجر. هنالك استحى الفيلسوف واستكبر فرفض هذا التسليم وأبى الا صلة مصدرها الحب والرغبة.
وزارته ذات يوما وهي مكدودة قد أجهدها المرض، واشتدت بها الحمى فلما انتهت إلى البيت استلقت على وسادة ونظر إليها هو، وأن في عينه لحباً لا حد له، وشهوة لا حد لها. وإذا هو يرى عينيها الزائغتين من الألم وخديها الذين توردهما الحمى فلا يرى الا جمالا مغرياً وحسناً فتانا. وهي مستلقية أمامه لا حول لها ولا طول، وهو قادر عليها؛ ولكنه ليس قادراً على نفسه. فهو يشتهي إلى حد الهيام ولكن عقله ووقاره يأبيان عليه هذا الغصب. فتنحل هذه الشهوة الحادة العنيفة إلى حب وقور، فيه شيء كثير من جلال الدين. والمرض والبؤس يلحان على الفتاة، والحب والفقر يلحان على الفيلسوف وإذا هي قد لزمت غرفتها،