للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

قالوا هجرت أليه الغيث قلت لهم ... إلى غيوث يديه والشآبيب

قد تقول أنه يقصد بالغيث ريق الغمام ولكن صدقني أنه يريد سيف الدولة. إن لفظ (هجرت) لا تقال إلا عن شيء يكون بينك وبينه صلة عزيزة. . . أليس لفظ (الهجر) يقابل لفظ (الوصال) في منطق العاطفة؟

وقاد إليه كافور فرسا فقال يمدحه!

فراق من فارقت غير مذمم ... وأم ومن يممت خير ميمم

إن المتنبي فارق محمود ألا يتطاول الذم إليه. ألم أقص عليك أنه لم يهجره عن قلى؟ جزى الله ابن خالويه.

رمى واتقى رميي ومن دون ما اتقى ... هوى كاسر كفى وقوسي وأسهمي

وأحلم عن خلي وأعلم أنه ... متى أجزه حلماً على الجهل يندم

ها هي تي قصة في بيته. هو يعترف أن سيف الدولة لم يتعمده بإساءة فكيف يذمه وهو لو أراد لغل هواه كل سلاح في يده. ليجرب الحلم إذن عله يندم على ما فرط منه. هو يحلم عنه ويحلم بندحه. إن البيت الثاني هو بعينه ما نسميه في علم النفس (أحلام اليقظة).

أرأيت أن المتنبي لم يخلص في مدحه لكافور بل رنق حنعوه بشوائب ذكرتها لك. أو تعده مادحاً ذلك الذي يذكر العيب في ثنايا المدح وكان أولى به أن يخفيه في هذا المقام؟

ولكن العين لا تغض عن العيب إلا وهي راضية والمتنبي لم يكن راضياً عن كافور قط كما قال بنفسه بعد أن تحلل منه وأصبح في وسعه أن يهجوه. لقد نظر إلى شقوق في رجليه فقال هاجياً:

أريك الرضى لو أخفت النفس خافياً ... وما أنا عن نفسي ولا عنك راضياً

تظن ابتساماتي رجاء وغبطة ... وما أنا إلا ضاحك من رجائياً

وإذا أتينا إلى ذكر هجره لكافور فاعلم أنه أوسع كافوراً تعييراً بالسواد وضعه الأصل مما ليس عليه مزيد فلنقف اليوم عند هذا الحد على أن تكون لنا رجعة أخرى إلى أبي الطيب إن شاء الله.

نعمت فؤاد

كلية الأداب. جامعة فؤاد الأول

<<  <  ج:
ص:  >  >>