من فقرات (فسترى فكراً واحداً ينتظمها كلها، ونظراً واحداً يشيع بينها طمأنينة الانسجمام. إنها نغمة تضطر في غير نشاز، نغمة بغيضة إلى أولئك الذين يأكلون في بطونهم ناراً وسعيراً، جيبة إلى أولئك الصبية الضعاف وإلى الشادين بالعدل والراعين للحقوق)
إن الأديب عند سعد غير غريب عن معدنه، إنه ماء عذب يسيل من منبع صاف فياض، إن سعداً إن كتب أو خطب يكتب ويخطب (وكأنه يتمثل (النهج) الذي طالما نهل من بلاغته) وليس بعد بلاغة (النهج) من بلاغة!!
إعجاب ونقد:
كنت أفكر وأنا أقرأ كتاب (سعد) في التعليق على بعض ما أعجبني فيه، وعلى ما استلفت نظري من (تعليقات) الأستاذ الزيات الطريفة، ولكن إعجابي بالكتاب وبجهد مؤلفه الجبار، جعلني أترك ما أزمعت عليه، أتقدم من قراء (الرسالة) بهذه الخلاصة، فإن وجدوا فيها متعة فهي قبس من بيان صدقي الأستاذ الزيات وشل من فيض أدبه الرفيع، وإن أنكروا منها شيئاً، فهي لآلئ حاولت جمعها من كتاب سعد، وعليَّ وحدي تبعة سوء صياغتها الصياغة التي تعجب المتفرجين والناقدين.
وإني لا أود أن أنهي هذه الكلمة قبل إبداء بعض الملاحظات التي مرت بخاطري وأنا أقرأ الكتاب؛ فالكتاب ينقصه (فهرس) لا للأعلام، ولا للأحكام التي فيه لمعرفة دوائرها وتواريخ صدورها، بل (فهرس) يدلنا، على الأقل، على صفحات الفصول التسعة المقسم إليها الكتاب؛ وفي الكتاب نقص آخر وإنه لنقص في نظري عظيم، فقد خلا من موجز لسيرة سعد، إذ لو وجدت فيه لكانت عوناً كبيراً يرسم صورة سعد في مخيلة كل قارئ، بل لكانت رشداً يعين القارئ على تتبع حياة سعد في القضاء، وتواريخ تنقله بين دوائره العديدة، وعلى معرفة زمن دراسته للقانون، وتاريخ أجازته ومدة تعاطيه المحاماة، وتاريخ تركه للقضاء وسببه، وهذه أمور لها قيمتها، في تاريخ سعد بتتبع أحكامه القضائية، ورسم مناهج لدراستها دراسة لا تختلط اختلاط بعضها في بعض فصول الكتاب!
وليست هذه الملاحظات بمؤثرة على إعجابي وتقديري، ولا يعيب الحكم - كما يقول سعد - إلا يتضمن الإشارة إلى ما كان يحسن به أن يشير إليه، والثوب المتقن البديع لا يعيب لابسه، إن نقصته جيوب، ولو اتفق على أن الجيوب تزيد في كماله وجماله على من فيه.