واستنباط النتائج من أسبابها الصحيحة طوعا لقضايا المنطق؛ ويرى بعضها الآخر ليس إلا صوراً تستند أكثر ما تستند إلى الاستلهام الفني فتطالعه بملامح إنسانية ناطقة تحمل طابع عصرها وجوه.
وإنما يتعرض القارئ لذلك اللبس والاستاربة؛ لأنه لم يفرق بين نوعين متباينين أشد التباين؛ أحدهما: نوع الترجمة التاريخية التي تحتشد فيها الحقائق والإسناد، والآخر نوع الصورة الوصفية التي تتضوأ فيها ألوان من شخصية الكاتب، وقوة تخيله واستلهامه في الوصف والتصوير.
فلو تمثلنا أن خمسة من المصورين في مرسم فنان يصورون نموذجا واحدا من النماذج، ولكل منهم موضع أمام النموذج خاص؛ فإننا حين نعرض ما صوره هؤلاء الفنانون الخمسة نجد فروقا بينها جميعا؛ لأن كل مصور رسم صورته على وفق الوضع الذي نظر إليه، واستمد إلهامه فيه، فأسبغ على الصورة من ذات نفسه ما سمحت به، والنموذج واحد ولكن الصور تختلف لأنها صورة فنية لا بد أن تظهر على سماتها أثاره من اختلاف المصورين. . .
وإذا كنا نشير إلى سعة الهوة بين العلم والفن، وتباين منعيهما: العقل والواعي، والعقل الباطن، فإننا لا نعني بذلك أن لا تواصل بينهما على نحو من الأنحاء، فلسنا نغفل أن الحدود القائمة بين الأديب والعالم قد تتداخل فيكون منها مزاج لا هو بالأدب المحض، ولا هو بالعلم الصراح.
ولقد يتجرد مؤرخ لكتابة التاريخ، فتراوحه نسمات من فن البيان تجعل صفحات تاريخية موشاة بالأدب، ولقد يخلص أديب لبعض فصوله في تصوير الحياة ونقد المجتمع فتحضره قواعد مقررة، وأوضاع سائدة، تصل فصوله بمناهج البحث العلمي. . .
وربما توافرت إجادة المزج لذلك المؤرخ أو هذا الأديب فيما يعالجانه حتى ليتعذر على القارئ أن يرد كلا منهما إلى العلم وحده أو الفن وحده. . .
على أن الذي لا نزاع فيه: هو أن الدقة العلمية، والحقيقة التاريخية، لا تشتغل بال الفنان