وخلت بينه وبين غرفة الفتاة. فدخل وأغلق الباب من دونه وأرتجه فأحكم إرتاجه. وأقام ساعات طوال لا يخرج ولا يدخل عليه أحد. ويستطيع الخيال أن يذهب كل مذهب في تصور ما قال الفيلسوف للفتاة المحتضرة أو ما عمل أمام هذا الحب العظيم الذي كان الموت يغلبه عليه قليلاً قليلاً. فلما تقدم النهار ودنى المساء فتح الباب وخرج صامتا لا يلوي على شيء. فأقام في داره ولم يشهد الجنازة ولم يشيعها إلى القبر. وماذا يعنيه من الجنازة؟ لقد حاول أن يصل إلى هذا الجسم فلم يجد إليه سبيلا وحاول أن يصل إلى هذه النفس فلم تقاومه ولم تمتنع عليه، وإنما أسرعت إليه فأقامت في عقله وقلبه. لم تمت كلوتيلد وإنما أودعته خير ما فيها فهي إذا في قلبه، هي إذا تقاسمه حياته الذائلة حتى إذا انقضت هذه الحياة الموقوتة امتزجت بنفسه فكانت منها نفس واحدة خالدة. عكف الفيلسوف في داره على هذه الصورة يعبدها ويهيم بها وما هي الا أن استحال حبه لكلوتيلد ديناً وضعت له التقاليد وألوان الصلوات والعبادات. وأغرب من هذا كله أن الحياة الظاهرة للفيلسوف لم تتغير. فدروسه كانت تلقى في نظام ومجلاته كانت تقرأ في نظام ورسائله كانت تقرأ ويرد عليها في نظام أيضاً.
ما أعجب أمر الإنسان تراه ساذجا يسيرا وأن شخصه لشديد التعقيد.