وأنت تساير (إدريس) بطل هذه القصة، وهو يروي لك أحداث حياته، وما تعاقب عليه من أحوال، فإذا بك - وأنت مسترحل معه - نطالع الحياة المغربية في عصرها العتيد، فترى كيف صنعت سياسة الاستعمار بذلك الوطن المغلوب على أمره، وتعلم كيف يسام الخسف والعسف في جحيم تلك السياسة الغشوم، وكيف تتوق نفسه إلى عيش الحرية والكرامة، فهو يكافح ويجاهد ما وسعه الكفاح والجهاد.
فقارئ هذه القصة لا يملك سكينته إزاء ما يمر به من صور تفصح له عن نفسية شعب أبي يتعزى في الحديد والنار، وتشعره بما يكمن في سريره ذلك الشعب من فتوة وحمية، وما يغلي في عروقه من دماء أسلافه الذي كانوا في طليعة بناة الحضارة وسادة الأمم.
والقصة في جملتها مزاج طريف من التاريخ والسياسة والوطنية والاجتماع، أو طاقة مزهرة تجمع تلك الأفانين المختلفة؛ وبراعة الكاتب تتجلى في تأليف هذا المزاج، وتنسيق تلك الطاقة. فهيهات أن يلمح القارئ في اطواء القصة حديثاً لا يستدعيه الموقف، أو موقفاً ينبو عن سياق، أو إغراقاً في وصف وتصوير تتجافى به القصة عن سبيل التأثير والإقناع.
ما أكثر ما كتب الغربيون عن الأمم الشرقية والإسلامية بلغات العرب، ولكن ما كتبوه لا يصور نفسية هذه الأمم وعقليتها حق تصويرها، ولا يستوفي حقائقها كما هي عليه، وذلك لأن أولئك الكتاب إما أن تحدوهم نية سيئة ونزعة مغرضة، وإما أن يقعد بهم عجز عن التحقيق وصدق التصوير.
وإذن فقد أحسن صاحب الصورة (إدريس) صنعاً، إذ كتب قصته بلغة عربية، سدا لذلك النقص، وإطلاعاً لقراء الغرب على حقائق أمة إسلامية فتية تنشد سلامة وكرامة.
وما أجمله توفيقاً أن تكون تلك اللغة العربية التي كتبت بها لا قصة هي اللغة الفرنسية. . فالقصة ليس إلا صفحة من اضطهاد المستعمر الفرنسي. فمن الخير أن يقرأها الفرنسيون بلغتهم، دانية المنال، حق يتبين لهم: كيف يؤدون في بلاد المغرب رسالة الحرية والسلام!