المخادعين وتهاويل المهولين، وهو العربي الذي يعرف نفسه ويعرفه التاريخ، ويهزأ بالشدائد إذا جد الجد. ويحق الأهوال إذا اشتد البأس.
فأثبت في مستنقع الموت رجله ... وقال لها: من تحت أخمصك الحشر
أن العربي يعرف ما في أيدي أعدائه وأعوان أعدائه من مكر، وما لديهم من سلاح، وما عندهم من علم وفن؛ ولكنه يعرف كذلك ماله من حق، وما عنده من كرامة، وما فيه من إباء وما يمده به تاريخه من ثبات في الأزمات، وصبر في الخطوب. فيقدم على الأهوال ذاكراً قول سلفه.
إذا هم ألقى بين عينيه عزمه ... ونكب عن ذكر العواقب جانبا
فيتقدم فيزيده الهول مضاء، والنار صفاء، منشداً:
فإن تكن الأيام فينا تبدلت ... بنعمي وبؤس والحوادث تفعل
فما لينت منا قناة صليبية ... ولا ذللتنا للذي ليس يجمل
ولكن رحلناها نفوساً كريمة ... تحمل مالا تستطيع فتحمل
وقينا بحسن الصبر منا نفوسنا ... فصحت لنا الأعراض والناس هزَّل
حسب الصهيونيون أن الأمم مال وربا، وأشكال وألوان، وهياكل وجدران، وبغي وعدوان، وغفلوا عن حقيقة الإنسان وما وراء ذلك صور وزخارف، وخدع وأباطيل، تذوب إذا وقدت النار، وتبوخ إذا حمى الوطيس.
ألا ساء فأل الأوغاد، وخاب ظنهم حين زينت لهم أموالهم وزخارفهم أنهم للعرب أكفاء وأنداد. فلتبطل دعواهم الوقائع، ولتكذب ظنونهم المعارك.
ألا أنه إن تحدى الصهيونيين حق العرب، وجرؤ شذاذ الآفاق على خير الأمم، ولم يلفوا كفاء بغيهم من ردع، وجزاء عدوانهم من خزي.
فيا موت زرا إن الحياة ذميمة ... ويا نفس جدي أن دهرك هازل
أيها العرب الأباة! أنه يوم له ما بعده؛ فاصدعوا الأهوال بقلوب متفقة، وأيد مجتمعة، وامضوا إلى الغاية التي هي بكم أجدر، وبتاريخكم أليق. إنكم تقاتلون حيث قاتل آباؤكم في اليرموك وأجنادين وحطين، وقد حطموا الباطل في كبريائه، وردوا البغي في غلوائه، فزلزلوا بهؤلاء البغاة الديار، وردوا جند الصهيونيين بالخزي والدمار. واتركوها على