وبتحدي الموت. فاليابان زهرة من أزهار اللوتس تنمو بسهولة ورشاقة محافظة على الأعماق التي منها نمت، ومع ذلك فقد تسلقت اليابان إلى آخر ما وصل إليه الغرب وصارت تعج فيها الحضارة الحديثة بكل مسئولياتها.
إذن الحياة والقوة كائنتان في الشرق، ولكنهما كامنتان تغطيهما قشرة ميتة يجب أن تزول، لأن الاحتماء بالميت موت، واحتمال أخطار الحياة حياة.
ولا يظن أحد أن اليابان قد وصلت إلى ما وصلت إليه بالتقليد، لأننا لا نستطيع تقليد الحياة والقوة لأمد طويل، بل إن التقليد مصدر من مصادر الضعف، فهو يعوق طبيعة الأمة الحقيقية، لأنه كالباس هيكل عظمي لإنسان ما، إهاب إنسان آخر.
لقد استمدت اليابان غذاءها من الغرب، ولكنها لم تستمد منه حيويتها، بل احتفظت بروحها، وهذه هي المعجزة التي بهرت أعين العالم، فقد علمت عن حق ويقين أنه لا يمكن قبول المدنية الغربية على علاتها، تلك المدنية التي لم تحل بعد أعظم مشاكل الوجود كالتنازع بين الفرد والدولة، وبين العمل ورأس المال، وبين الرجل والمرأة، والتنازع بين شره الكسب المادي والحياة الروحية للإنسان، وبين أطماع الأمم المنظمة والمثل العليا للإنسانية، تلك المدنية التي تتغنى بالحرية، ثم تأتي بأقسى ضروب العبودية، تلك المدنية التي يفقد الإنسان تحت تأثير سحرها كل ثقة في المثل العليا التي جعلته من قديم الزمن إنساناً.
والحق يقال إن النفس الشرقية بما انطوت عليه من قوة روحية وحب للبساطة واعتراف بالواجبات الاجتماعية عليها أن تحكم العقل الشرقي إذا أرادت أن تشق طريقاً وسط هذه المعمعة الغربية، وعليها ألا تلقي وراء ظهرها تراث الأجيال الماضية كما تلقي الملابس البالية، إذ أن هذا التراث في دمها وفي نخاع عظمها وفي تكوين لحمها، وفي ألياف مخها، وهو يكيف دون أن تشعر ودون أن تريد كل ما تضع عليه يديها بتكييفه الخاص.
ومن تراث الماضي وغذاء الحاضر المستمد من الغرب عليها أن تخرج خلقاً جديداً لا مجرد تكرار، ولتكن لنا من اليابان عبرة
إنّا لنصغي إلى ما يقوله الغربيون من أن مدنية الشرق ليست إلا فلسفة لاهوت، فإن الأصم يرى في اللعب على (البيانو) حركات أصابع مجردة عن نغم الموسيقى، وهم لا يعرفون إننا قد بنينا تقاليدنا على أساس من الحقائق التي تدخل الطمأنينة والسلوة في قلب الإنسان،