عليها أطول مما سيطرنا، ودافعوا عنها ونحن مشردون في أقطار الأرض، وهم اليوم فيها يعمرونها ويتقلبون في أرجائها ويحفظون آثارهم ومآثرهم، وفي جوانبها آبائهم الذين استشهدوا فيها ودافعوا عنها جبروت الروم، وجالدوا من أجلها الصليببين مائتي سنة. يقول اليهود: لا نعرف التاريخ ولا نذكر فضل العرب فإنا قوم لا نزن الأمور إلا بالمال والمنفعة، ولا نقدر الأشياء إلا بفائدتنا وشهوتنا وإن نال غيرنا فهذا الضرر هوانا وبغيتنا، وبه جذلنا وغبطتنا، فإننا نعمل لأنفسنا، ونبغض البشر أجمعين سواء منهم من أساء إلينا كأهل أوروبا ومن أحسن إلينا كالعرب، ولكننا نستعين بجماعة على أخرى، ونتمنى أن يهلكوا جميعاً. . .
لليهود ماض في فلسطين، وللعرب ماض وحاضر؛ لليهود فيها تاريخ النقطع منذ عشرات القرون، وللعرب تاريخ موصول منذ عشرات القرون. لليهود في فلسطين تاريخ ذليل مشرد انقطع بجلائهم عنها وبأسهم منها، وللعرب تاريخ مجيد عزيز دافع عنها في غير بأس، واستقر بها في غير ذلة. لليهود في فلسطين أحجار مهدومة يبكون عليها هي بقايا الأحداث، وفضلات العصور وللعرب آثار قائمة مشيدة تصل تاريخهم، وتشهد بمآثرهم، وتكذب دعوى اليهود في كل بقعة. لليهود في فلسطين صفحات في الكتب، وللعرب صفحات خالدات في أوديتها وجبالها ومدنها وقراها.
ولو لم يكن للعرب في فلسطين إلا أنهم دافعوا الصليبيين فيها وحولها أكثر من مائتي عام حتى أجلوهم عنها، وأقروا مجدهم وتاريخهم فيها، لكان هذا كفيلا لهم بحقهم فيها أبد الدهر.
حق العرب في فلسطين يقاتل باطل اليهود، وإحسان العرب يقاتل كفران اليهود وكرم العرب يلاقى لؤم اليهود. يتقاتل في فلسطين الحق والباطل، الخير والشر، والمروءة، والنذالة، والأخلاق الإنسانية العالية، والطبائع الحيوانية الدنيئة، والتاريخ العزيز القائم، والتاريخ الذليل الميت.
وإن عدل الله سبحانه، وإن كرامة الإنسان، وإن أخلاق البشر، وسنن الخليقة، لتأبى أن يغلب جند الباطل جند الحق، والفئة اللئمية الفئة الكريمة، وأعوان الشر أعوان الخير، وحزب الشيطان، حزب الله.
(بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق، ولكم الويل مما تصفون).