فتقتبس العناصر الطبيعية لإبداع الطبيعة من جديد. وتطمح الثالثة إلى تكوين عالم لا يمكن تصوره مستقلا عن عالمنا المعقول.
والرأي عندنا أنه يمكن أن نحدد بين قطبين ما ينتاب عالم الفنون من الاضطراب البالغ: أولهما المحسوس وهو نقطة ارتكاز الفن التصويري أو المرئي، والآخر المجرد ويثير في النفس برموزه وإشاراته المعاني والارتسامات.
وتطرف الفن المعاصر وجموحه شبيه بتحرير الفرد من الأوضاع القائمة. والنشاط الروحي الرفيع لا يقبل بطبيعته أي مبرر؛ إذ هو حادث مستقل لا يخضع لسواه أو يمكن استخدامه كأداة. إزاء هذه الانقلابات الطارئة على الفن بفعل التفكير الفلسفي المتضارب، وما تقده لنا مذاهب مثل:(وما فوق الطبيعة)(الميتافيزيقة)، (والتجريدية)، (وما فوق المحسوس)(سيررلست)، (ولاستبطانية)؛ لا يعدو واجبنا غير الإلمام بهذه التيارات التي تعتبر أكثر من أن تكون فنية: أما الأخذ بها والجري عليها فمتروك للأذواق والميول. ولا يخفى أن حب البشرية والدين والتقاليد والوطن ليست موضوع ما يعرف (بالفن الدولي) وهذه العوامل المذكورة التي خلقت للإنسان أجمل تراث ما تزال تفعل فعلها في بعث نهضة الشرق. ولسوف يظل الشرق للجميع مستودعا روحيا زاخراً ليعالج مرة أخرى هذه الوثنية يسمى عالم الفن للتحرر منها.
هذا ما يلقيه علينا معرض البندقية من الدروس، وإنا لجد عارفين له بالجميل.