بعودتك؟ فأجاب والفرحة الجارفة تهز كل ذرة في كيانه: لو كنت أعلم لعدتك قبلاليوم، ولما تركتك نهباً لعوادي السقم! ومضىيحدثها وتحدثه، ويقرأ لها وتصغي إليه، ويبني لها من قصور الأوهام ما شاءت له فنونه وشجونه. وتقول له وهي في غمرة الأماني وزحمة الأحلام: بالله دعنا من المستقبل وخلنا في الحاضر. . إن غداً ليوم عيد، فهل فكرت في أن تهيئ لنا مكاناً جميلا نقضي يومنا فيه؟! ويقول في صوت تنطلق فيه الهمسة من فجاج روحه: أما العيد فأنا اليوم فيه. . وأما المكان الجميل فقد هيأته لك في قلبي!
وترنو إليه معجبة، ويرتسم على شفتيها ظل ابتسامة فاتنة، وتهتف من الأعماق قائلة له: هل تعرف أنك تجيد فن الحوار؟. لماذا لا تعالج كتابة القصة؟. . . أنا في انتظار اليوم الذي تكتب فيه قصتك الأولى.
ويعدها بأن يكتب قصته، ويودعها وتودعه، وينطلق عائداً إلى بيته على أن يراها في صباح العيد. . . ولم يكن يعلم أن المقادير تدخر له أسود ليلة في رصيد العمر، وأبشع صباح في حساب الشعور! ولم يكن يدرك أن ما رآه من ومضات العافية حين جلس إليها كان أشبه بومضات المصباح قد فرغ زيته، فهو يرسل أسطع أضوائه قبل أن ينطفئ، ويتزك الحياة من حوله يختنق فيها النور تحت قبضة الظلام!
لقد طوى الموت في المساء صفحة عمر، وغيب القبر في الصباح أحلام عذراء. ولقد رغبت إليه أن يكتب قصته الأولى، فإليك يا قبرها يقدم أول قصة وآخر قصة.
وكل حقيقة بعدها وهم، وكل واقع بعدها خيال، وكل إيمان بعدها شك، وكل وجود بعدها عدم. . وكل معنى من معاني الخير والجمال بعدها هباء!