للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لا ريب أن هذا الحجر الجديد على عرض الحقائق التاريخية سيثير صعاباً علمية جمة، وسيكون ضربة شديدة لحرية البحث ونزاهته؛ بيد أنه لن يحقق الغاية التي يعقد عليه تحقيقها؛ وقد أشير إلى طرف من الأسباب التي تتخذ حجة لتبرير هذا الحجر، فقيل إنه قد ظهرت في العهد الأخير كتب ومباحث تاريخية بها مطاعن ومثالب في حق بعض الأمراء السالفين ورؤساء الحكومات الأجنبية الحاليين، واتخذ العرض التاريخي شعاراً لهذا التجريح؛ وأنه يجب أن يوضع حد لذلك. وجوابنا أن حقائق التاريخ لا تتجزأ، والمؤرخ المحقق لا يمكن أن يتقيد في سرد هذه الحقائق إلا بالمراجع والأسانيد والوثائق، ولا يمكن أن يخضع لغير ضميره ومقتضيات الحق والنزاهة. وحياة الذاهبين من الزعماء والقادة ملك التاريخ، لا سلطان لإنسان عليها غير سلطان العلم؛ فالتوسل بالتشريع إلى طمس الحقائق التاريخية تدخل غير مسوغ في حرية العلم والبحث، وتجن على الحقيقة لا يخلق بعصرنا عصر العلم والحقيقة والنور.

والحجر على حرية البحث والكتابة على هذا النحو يلقى سحباً من الشك على قيمة الكتب والمباحث التي تصدر في ظله حتى ولو كانت جديرة بالتقدير؛ ومن المستحيل أن تنقلب المثالب إلى مناقب بقوة التشريع؛ والعلم ليس له اليوم حدود ولا وطن، فإذا استطاع المشرع أن يصفد الأقلام في مصر، فليس في وسعه أن يصفدها في أي أرض أخرى؛ وأرض الله واسعة. والتاريخ يكتب بكل اللغات الحية؛ وهذه اللغات تقرأ في مصر، كما تقرأ في غيرها. هذا إلى أن ما لدينا اليوم من الكتب والمباحث في الميادين والموضوعات التي يراد حمايتها بقوة القانون يلقى عليها ضياء لا يمكن أن تطمسه أية قوة أو بطش.

كان لويس الخامس عشر يعتبر حتى عصرنا أشنع مثل للملكية الظالمة الباغية المسرفة؛ وكانت النشرات القاذفة تنثال عليه إبان حياته من أقلام قاسية لاذعة كقلم فولتير؛ فكان الباستيل مأوى القاذفين؛ ولكن هل استطاع الباستيل وكل ضروب البطش والمطاردة الأخرى أن تخمد الصيحات المنبعثة أو تطمس الحقائق الثابتة في هذه الحياة الفياضة بالإثم والبغي؟ ومع ذلك فقد وجد في أيامنا من كتاب التاريخ من يذهب في سيرة هذا الملك رأياً آخر، ويقول إن التاريخ قد ظلمه، وأنه كان في أخطائه ومثالبه دون ما يصوره بكثير.

وكانت لوكريزيا بورجيا ابنة البابا إسكندر السادس تعتبر حتى عصرنا أشنع مثل للأميرة

<<  <  ج:
ص:  >  >>