الرومان هذه الأرقام إلى أوروبا، ولهذا تباينت هذه الأرقام شكلاً عند مختلف الأمم. وليس من باعث على هذا الاعتقاد الواهن إلا ما وقر في نفوس علماء الغرب من إعلاء شأن الثقافة الإغريقية ونعتها بما لا تستحقه من صفات، والحط من قدر الشرق واستهجان مدنيته. ولقد طمس هذا التعصب الخسيس مآثر المدنية الإسلامية إذ رماها بالتقليد والتقيد واللبس بينما قصر الابتكار والسمو والوضوح على مدنية الإغريق.
ومما لا ريب فيه أن الأرقام تداولتها أمم الشرق في العهد الإسلامي أجيالاً قبل أن تعرفها أمم الغرب، وعن العرب أخذتها أوروبا، ولا تزال تسميها بالأرقام العربية. فإن كان تداولها في القرن العاشر الميلادي على ما يقرر كيس فلا بدع أن هذه الأرقام نشأت في طرف من أطراف الإمبراطورية الإسلامية الشاسعة، ثم عمت هذه الإمبراطورية قبل أنم تعرفها أمم الفرنجة.
وللمستقبل أن يلقي شعاعاً على ما غمض من تاريخ هذه الأرقام ويردها إلى منبتها الذي فيه نشأت. وليس لعالم غربي أن يستأثر بهذه المبرة الشرقية في غفلة من الشرق وعجز عن التمتع بحقوقه كاملة غير منقوصة وويل من العلم لمن ينتهك حرمة العلم! هذا وفي فصل آخر سنأتي على انتقال الأرقام إلى أوربا.