للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لصوص العالمين؟

أين الذين أشعلوا بنارهم حماستنا ثم أطفئوها بمائهم، وفتحوا بهتافهم عيوننا ثم أطبقوا برقادهم، وما زالوا يعالجوننا بالعاطفة ونحن إلى العقل أحوج، ويأخذوننا بالارتجال ونحن نروم النظام، ويرقدوننا بالمسكنات ونحن نلتمس الشفاه!

إن هؤلاء سواء عليهم أدللتهم أم لم تدلهم لا يكترثون، وسواء عليهم أذكرتهم بتقصير أم لم تذكرهم لا يأبهون، وسواء عليهم أصرحت لهم أم عرضت بهم لا يبالون.

ولو أنك أكثرت الصراخ المختنق، ومزقت الصدر الحرج، وقطعت الحنجرة المكروبة، وأطلقت الحشرجة المكبوتة، فلن تسمع منهم إلا ألسنة بليلة، وأصواتا ندية، ربما أرضت البيان الرفيق، ولكنها لا ترضى الحق الصريح!

ولكن. . . هون على نفسك، فلا تريض باليأس قلبك، ولا تعصر بالقنوط فؤادك، بل اصرخ أيها العربي في النفوس الراقدة علها تفيق، وفي الأروح الهامدة علها تتحرك، وفي الضمائر الميتة علها تحيا، وفي المشاعر الساكتة علها تنطق، فقد اقتربت النار وقضى الأمر، وقد داهمك اللصوص بالخيانة والغدر، وقد سرقوا متاعك بالخداع وبالمكر. على أنك إذا وثبت وثبك، وأطعت قلبك، أطفأت النار قبل أن تلتهم الديار، ولحقت باللصوص الجبناء قبل أن يولوا الأدبار، واسترجعت متاعك قبل أن يتواروا عن الأبصار!

وإنى لأحذرك أيها العربي قوما كالثعالب، أنت تعرفهم بلحنهم الكاذب، فقد لدغت من جحرهم مرات (والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين) ولقيت من مكرهم وبلات، والمكر لا يخفى على ذي عنين. . .

حذار من أولئك الثعالب لا تبذل لهم مقادتك، فإنهم لا أيمان لهم، ولا عهود عندهم، ول مواثيق لديهم (إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون. الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون).

فثق بنفسك، وتوكل على ربك، واستعنبإخوانك العرب في مصر التي تعلم سهولها الكرامة، وفي سوريا التي تلقى بطاحها دروس الشهامة، وفي لبنان الذي تعود جباله الشم على الصبر، وفي الحجاز الذي يهدى صعيده الطيب إلى الطهر، وفي العراق التي تلهم واحاتهم الشجاعة، وفي الأردن الذي توحي وديانه البسالة، وفي اليمن التي تحبب رياضها بالإيمان،

<<  <  ج:
ص:  >  >>