(وكان هوبول جاثياً على ركبتيه بجانب الشاعر هايكلوس مصغياً لما يفسر له من أقوال الملائكة) فوخزه هايكلوس وأشار إليهليرى المدينة، فأبصر الشياطين تمرح في أسواقها وقد خيمت عليها السحب الربداء، وأعقبها قصف الرعود الصاخبة، فصرخ الأهلون. . . وجزعوا، وهرعوا إلى الجبال والآكام ومنهم من فر واختفى في الغابات. . . ومنهم من رضى بالاستسلام للشياطين، فلم يستطع هوبول أن يبقى صامتاً ساكتاً، فألقى نفسه من النافذة، وركض نحو القوم صائحاً:
إنكم لم تعوا الحكم المرسلة على ألسنة شعرائكم، ولم تعبئوا بما صاغ لكم خطباؤكم من الأقوال المأثورة.
إن هايكلوس قد بلغ به الإعياء حد النزع، وأضحى لا يستطيع مقاومة مرضه الممض، وإن جوبيتر يرثي لحالكم الأسيفة بعد أن فقدتم كل ما في الحياة من معنى، وأصبحتم في حياة لا روح فيها، فإن أثينا بعد اليوم ستقفر من الفن، ستقفر من مواهبها السماوية، ستقفر من بلابلها الغريدة. لم يعد يخرج بين ظهرانيكم شعراء وحكماء يفنون أجسامكم لتغذيتكم، وينشرون الرائحة لتعطيركم، ويصوغون الحكمة لإرشادكم.
وما زال هوبول يجول في أحياء المدينة ويقص ما سمع من هايكلوس عن جوبيتر وأبولو والملائكة، حتى فزع القوم، فانتدبوا من يذهب إلى هايكلوس ويرجو وساطته بينهم وبين الآلهة، لئلا تستمر الشياطين في تمردها، فانتدبوا أشخاصاً من كل طبقة وتوافدوا مستجدين أشعاره صائحين: لقد أيقنا بحكمة الحكماء، وآمنا بحاجاتنا لأمثالكم الرفقاء. . . .
فخرج هايكلوس من داره وأخذ ينشد دعاءً يعيد لأثينا حياتها الأولى. . . . .