زكى أصله قبل النبي محمد ... فكيف وقد أزكى النبيَّ محمدا
بتمكينه عهد من الله خالد ... على الدهر ما كرّ الجديدان جُددا
تشيب الثريا قبل إنذار شيبه ... ويوشك خدُّ الشمس أن يتجعدا
أفيصل أني مرسل فيك شُرَّداً ... يثبن إليك اللانهاية غُرَّدا
أكلِّفها نَوْحا فتمضي شواديا ... أوَابِيَ أن ترثيك حياً مخلدا
كأن حروف الخط أعواد جنة ... على كل فرع بلبلٌ للعلى شدا
وقلَّدتُ منها كلَّ شطرٍ مهندا ... يظل على هام العدا مجردا
إذا قرَع الراوي به سمعَ خائنٍ ... تذوَّقَ طعمَ الموت شعراً مُردَّدا
وحسب القوافي أنها فيك ألهِمت ... لأغدو بها رب البيان المسوَّدا
فقد يهب الحق الغرابَ فصاحة ... وقد يُخرِسُ البُطلُ الهزارَ المغردا
سبيلُكَ لم تسلكه إلا منورا ... وسهمكَ لم ترسله إلا مسدَّدا
وكنت لأشتات البلاد موحدا ... كما كنت في الدين الحنيف موحدا
وكنت لأجل المجد بالمال زاهداً ... وكنت لأجل العرب بالمجد أزهدا
وكم خضت لاستقلال شعبك لجة ... وكم جبت آفاقاً وكم جزت فدفدا
بعيد المنى لم تُلقِ مِرساةَ مطمحٍ ... إلى المجد إلا سامك المجد أبعدا
مشيت له تستبطئ البرق مركباً ... وأدركته تستوطئ النجم مقعدا
أرِحْ كبِداً حَمَّلتها كلَّ فادح ... من الهم يعي الشُّم لو كنَّ أكبدا
طَعامٌ على مضٍ وشربٌ على قذى ... ومشيٌ على جمرٍ ونومٌ على مُدى
تصبرَّتَ حتى الصبرُ كاليأسِ قاتل ... وحتى ذممنا في الخطوب التجلدا
صعدت جبال الألب تنشُد راحة ... وعدت كأن الألب في القلب صعَّدا
كلاكِل هّمٍ لو أنيخت (بيذبلٍ) ... لعاد (يزوفاً) يقذف الجمر والردى
خيانةُ أحلافٍ وإخلافُ ساسةٍ ... وغدر الذي أكرمَته فتمردا
مشَوا بك بين الجيش والتاجِ موكباً ... أعدَّت له نَظَّارةُ الخلد مِرصدا
فلم يرَ أهلُ الأرضِ أروعَ مشهدا ... ولم تَرعينُ الغيبِ أفظعَ مشهدا
يمدون للتسليم في لندنٍ يدا ... ويخفون للتسليح في نينوى يدا