الواقعي. . إن النفاق شر إذا هدف إلى الشر، أما إذا حدث إليه عواطف الخير فهو خير هادف إلى خير. . أما اعتقادك أني أجرى نفسي على غير طبيعتها، فأني مرتاح إلى ذلك ما دمت لا أحمل في نفسي غضاضة الشر.
- وكيف أعرف نفاقك من إخلاصك ما دمت هكذا؟. كيف يتسنى إن أميز بين ودك خالصا وبين ودك مشوباً؟ - ودعني أسميه نفاقاً مهما يكن هادفا إلى خير - كيف يمكنني ذلك ما دمت تقدم على الإخلاص وغيره بهذا السمت البريء الذي عرفت به؟
- إن مقياسك في ذلك هو نفسك. . فإن كنت تضمر لي الشر وتبديه حتى أحسه منك، ثم تراني بعد هذا أقدم لك من الود ما عودتك فأنا معك منافق، أبقى على احترام الناس لك، وأخشى عليك قالتهم، راجياً منك الخير بعد الشر، والوفاء بعد الغدر.
- أولا تعتقد أن الرجل شاعر بأنك تبدي له هذا الود عن غير إخلاص. . هل بلغ به الجمود حداً لا يعرف به أنه أساء إليك وأنت تحسن إليه!؟
- لا. . بل إن الرجل يعلم علم اليقين أن هذا الود الذي أبديه له أصبح وداً غير حقيقي، ويعلم أيضاً أنني أذكر له كل الشر الذي قدم.
ألا تعتقد أن صلتك إياه تؤلمه أكثر من قطيعتك له؟
- ربما جال هذا بنفسه إن كان بها بقية من ضمير، ولكنه من الذكاء بحيث يعلم أنني أفعل ما أفعل لأبقى عليه الستار الذي أسدله أمام الناس. . أما إذا كان ضميره قد انجلى عنه، فهو مسرور بما أفعل، مرتاح إليه، مقبل عليه كما كان يقبل.
وهكذا لم أودع في الصديق ما عرفت له من الخير، بل استقبلت منه تمرساً بالحياة، ومجاراة لها، وتحويلا من شرها إلى خير، ومن نفاقها إلى إخلاص. . إنه ينافق لا شك، ولكنه نفاق المخلص.