(الجاز)، ويتبادلون باللسان المعسول ألفاظ السلام والأمن والعدل والإنسانية والحرية والديمقراطية والعهود والمواثيق؛ حتى إذا جلسوا إلى مائدة السياسة، وقدم إليهم الطعام العربي المريء والشراب الشرقي الهنيء، تحلبت الأشداق، واحمرت الإحداق، وانقلبت حلل الفراك جلود نمور، وتحولت الأصابع في القفافيز مخالب صقور، ووقف المتسلحون بالحق والمنطق على بعد من المائدة ينظرون بالأعين العبري إلى مالهم المنهوب وتراثهم المغصوب، ولا يملكون إلا أن يحتجوا راغمين، ثم يقولوا نادمين: يا ويلتنا! ما لسيف الحق لا يقطع، وما لبرهان المنطق لا يفيد؟!
يا قوم، لقد قلنا لكم: إن القوة هي الحق وما سواها باطل؛ وأن ابن آدم على الرغم من دينه وعلمه ومدنيته لا يزال عبد العصا وضيعة الدينار. فمن شاء أن يعيش مرهوب الجانب محفوظ الحق فليدع سماحة موسى وبلاغة هارون، وليتخذ قوة شمشون وغنى قارون!