وهلم جراً ومسخاً. وإذا أراد صاحبنا هذا أن يسخر من الشيطان دخل المسجد فصلى، وإذا أراد الشيطان أن يسخر منه دحرجه في الشوارع. . .
وافيت هؤلاء الثلاثة مجتمعين يتدارسون مقالة (تربية لؤلؤية) يناقشونها بثلاثة عقول، ويفتشونها بست عيون؛ فأجمعوا على أن المرأة السافرة التي نبذت (حجاب طبيعتها) على ما بينته في تلك المقالة - إن هي إلا امرأة مجهولة عند طالبي الزواج بقدر ما بالغت أن تكون معروفة، وأنها ابتعدت من حقيقتها الصحيحة قدر ما اقتربت من خيالها الفاسد، وأتقنت الغلط ليصدقها فيه الرجل فلم يكذبها فيه إلا الرجل، وجعلت أحسن معانيها ما ظهرت به فارغة من أحسن معانيها. . . . .
وأردت أن أعرف كيف تنتصف الطبيعة من الرجل العزب للمرأة التي أهملها أو تركها مهملة. . . . وأين تبلغ ضرباتها في عيشه، وكيف يكون أثرها في نفسه، وكيف تكون المرأة في خائنة الأعين؛ فتسرحت مع أصحابنا في الكلام فنا بعد فن، وأزلت حذارهم الذي يحذرون حتى أفضوا إليّ بفلسفة عقولهم وصدورهم في هذه المعاني.
قال (س): حسبي والله من الآلام وآلام معها - شعوري بحرماني المرأة؛ فهو بلاء منعني القرار، وسلبني السكينة؛ وكأنه شعور بمثل الوحدة التي يعاقب السجين بها مصروفا عن الحياة مصروفة عنه الحياة؛ تجعله جدران سجنه يتمنى لو كان حجرا فيها فينجو من عذاب إنسانيته الذليلة المجرمة المخلى بينها وبينه توسعه مما يكره؛ شعور بالوحدة والعزلة حتى مع الناس وبين الأهل، فما فيّ إلا عواطف خُرس لا تستجيب لأحد ولا يجاوبها أحد في (ذلك المعنى).
وتمام الذلة أن يجد العزب نفسه أبداً مكرهاً على الحديث عن آلامه بكل من يخالطه أو يجلس إليه، كأنه يحمل مصيبة لا ينفس منها إلا كلامه عنها. وهذا هو السر في أنك لا تجد عزباً إلا عرفته ثرثاراً لا تزال في لسانه مقالة عن معنى أو رجل أو امرأة، وأصبته كالذباب لا يطير عن موضع إلا ليقع على موضع.
ومع جهد الحرمان جهد شر منه في المقاومة وكف النفس، فذلك تعب يهلك به الآدمي إذ لا يدعه يتقار على حالة - من الضجر - فيما تنازعه الطبيعة إليه، وهو كالمزع في أعصابه يحسها تشد لتقطع، ودائما تشد لتقطع.