وعف هواهُ فما اعتاقه ... إلا صدَّهُ عن سواء الطريق
وهام بها زهرة ناضره ... أسيرته وله آسرة!
ويعصي الضلالة في حبها ... وتوحي هداه له الساحرة!
وفي كل طُهرٍ يرى وجهها ... وينشق أنفاسها العاطرة
فتىً عرفتهُ السهولُ الفِساَحْ ... فكم هام فيها يحِّيي الصباحْ
ويملأهُ السهلُ حُريةً ... وتوحي إليه الرواسي الطماح
وكم أبهجتهُ مجالي الضحى ... ولذ الأصيلُ له في الرَّواح
وكم راعهُ مهرجانُ الربيع ... وأسكرهُ كلُّ لحنٍ بديع
وأوحى له الخُلْدَ مِنْ عيشه ... مُنىً ناضرَاتٍ وشملٌ جميع
عصىٌّ على الرحْسِ مستكْبِرٌ ... خفيفٌ إلى كل حُسْنٍ مطيع
وكم كان يأمل فيه الأمل ... ويرصدُ من عزمه ما أكتمل
وشيخ أب كم تأسي به ... وأم دعا قلبها وابتهل
وتُلقى على غده أمَّةٌ ... رجاها وترقب فيه البطل
أجاب إلى الموت داعي الفداء ... وجن اشتياقا ليوم اللقاء
وخاض المنايا على هولها ... وأوغل في حرها كيف شاء
وكيف تعاف الردى نفسه ... وفي مصرع الحر أقوى البقاء؟
وكم بعث الموت من عاصفة ... بها الأرض من حوله راجفة
وكم جن فيها جنون القتال ... وزلزل من أنفسٍ واجفة
وكم أقدم البطل المستميت ... ومن فوقه رعدةٌ قاصفة
وكم بات تنزف منه الجراح ... وأناته أغنيات الكفاح
ويغفو وفي نفسه ومضة ... تريه المنية نصراً يتاح
فبالموت يحيا موات النفوس ... وتنبعث العزمات الصحاح
(البقية في العدد القادم)
الخفيف