وفلان لا يصيبه مرض لأنه يحمل حجاباً حصل عليه من مغربي يجيد السحر وفن التعاويذ، وفلان أصابه شلل عقب اجترائه على ولي من أولياء الله الصالحين، في حين يبرأ غيره من الفالج لأنه رأى ولي الله في منامه يدعوه إلى رحابه فلبى الدعوة وقدم النذر. ومالنا نذهب بعيداً وقد فسر كثير من عامة القوم وباء الكوليرا في العام الماضي بأنه ناجم عن فساد سيرة الناس ونذير بقرب وقوع الساعة، واستعباد الغرب للشرق بانتشار فساد الأخلاق في ربوع الشرق وغير ذلك من التفسيرات التي لا تشير إلى العلة الطبيعية، وهي الجرثومة التي أتت من مكان ما واستقرت في بلدة القرين فكان الوباء، وحاجة الغرب إلى مواد أولية وأسواق بكر ومواقع استراتيجية تحمي هذه المواطن فكان استعباد الغرب المتفوق بعلمه وعدده، للشرق الغني بثروته الدفينة، الفقير في علمه المتخلف في نظمه.
وهكذا كلما زدنا علماً وثقافة قل عنصر الخوف من الطبيعة وحل محله ميل إلى مواجهتها، وتتبع ظواهرها لتلمس عللها الحقيقية بدلاً من الهرب منها واجترار تفسيرات خيالية لها.
فالخوف - خالق الأوهام ومقيد الحريات - يتراجع دائماً أمام سلطان العلم، رفيق الأمن ومحرر العقول من الأوهام والأباطيل.
على أن تفكيرنا اليومي - نحن المثقفين - طالما تتسلل فيه نزعة خرافية خاصة إذا كنا في حالة من القلق النفسي أو الخوف أو الحزن، تلك الحالة التي يكون فيها المرء أكثر ما يكون عرضة للوساوس، وأقل ما يكون تحرزاً من الوهم، والتفسيرات الخرافية يتقبلها ليطمئن قلبه ويرد السكينة إلى نفسه.
فالإنسان مهما سما علمه ودق حسه وزكا عقله إنسان أولاً وأخيراً: ينخلع قلبه من الأهوال، ويخفق فؤاده بالحب والهوى، ويضيق صدره بالغيظ والحزن، فيهرع إلى رحاب القلب الحاني ليستريح من تمرد العقل الجاف ولو إلى حين.
وهنالك ينعم بأحلامه وأخيلته. ناهيك بقصور العقل الإنساني الذي لا يني عن السعي لتفسير الوجود تفسيراً خالياً من التناقض، ولكنه يعجز في كثير من الأحيان عن بلوغ غايته، فيقعد الإنسان ملموماً محسوراً، حائراً إزاء عوالم مغلقة مبهمة، غارقاً في بحر لجي من الظواهر والمشاهد والحوادث - لولا فضل من خيال يسارع إليه يستمد منه التفسيرات الخرافية وقد عزت عليه التفسيرات العلمية الواقعية. فيهدأ الصوت الثائر المطالب بالمعرفة