اليونانية واللاتينية، واقتبست قواعدها من الأدب القديم، حتى جاء اسكندر هاردي فاستقاها من موارد الاسبان والطليان أيضاً. وظلت المأساة على هذا النحو من التقليد والفوضى حتى أدركها كرنيي زعيم المسرح الفرنسي، وخالق المأساة الحديثة، فزاد على غرضيها الأوليين وهما الرعب والرحمة، غرضاً ثالثاً وهو الإعجاب، وحصر أسباب هذه الأغراض الثلاثة في قلب الرجل وهواه، ووصف الناس كما ينبغي أن يكونوا، وجعل الخلق الغالب على أشخاصه النبل والبطولة، وضحى بالهوى على مذهب الواجب، وأضعف أثر الحب في رواياته ماعدا (السيد). ثم أعقبه راسين فحرك الرحمة في النفوس على ضحايا الأهواء، ولا سيما ضحايا الحب والغيرة، وأرخى عقدة الرواية إيثاراً لجاذبية التصوير الخلقي على جاذبية التعقيد الروائي، وجعل للحب المحل الأول في رواياته، ووصف الرجل كما هو لا كما ينبغي أن يكون كما فعل كورنيي. ثم يأتي فولتير في حسن الأثر وعظم الفضل ثالثاً لكورنيي وراسين، ولكنه دونهما في البراعة والإجادة. فقد أنكر النقاد عليه مزجه الحكاية بالفلسفة، وقصوره عن تصوير أخلاق أشخاصه، غير انهم يذكرون له حسن صنيعه في تقويته حركة العمل الروائي، وحرصه على حفظ اللون المحلي في المسرح.
ثم جاء القرن التاسع عشر، وظهر المذهب الابتداعي فهاجم المأساة وطاردها في المسارح حتى قضى عليها، واستبدل بها المأساة العصرية أو الدرامة، ولم يبق من أنصارها المؤلفين فيها والمناضلين عنها إلا تلما المتوفي سنة ١٨٢٦، وراشيل المتوفي سنة ١٨٥٨، ودلافني المتوفي سنة ١٨٦٨ مؤلف لويس الحادي عشر وأطفال إدوار. ثم بنسار المتوفى سنة ١٨٦٧ مؤلف لُكريس، وأنبيس دموراني، وشرلوت كردي. وقد ظل هذا الكاتب حينا من الدهر زعيم المعارضة لفكتور هوجو عميد المذهب الابتداعي.
أما أمر المأساة في غير فرنسا فقد كان ساقط الشأن قليل الجداء، اللهم إلا في إنجلترا فقد ألف شكسبير جملة من المآسي الخالدة كروميو وجوليت، وعطيل، والملك لير، ومكبث، وهملت، ويوليوس قيصر، وانطوان وكليوبطرة، وكريولان. وكلها ماعدا الثلاث الأخيرة مقتبسة من التاريخ الحديث.
تحليل موجز لأشهر الماسي
نريد بتحليل ما اخترناه من المآسي الرائعة الكشف عن هيكلها العظمي ليتبين القارئ فيها