عنايتهم لتحقيق هذه النهضة المنشودة؛ لا يفوته أن ما يبذله كاتب القصة القصيرة من جهد ووقت في حبك سياقها وسبك ختامها، لا يقل - إن لم يزد - على ما يبذله الكاتب في وضع القصة الطويلة) وإذا كانت هذه الكلمة قد حفلت بالعجب في طبيعة النظرة إلى فن القصة القصيرة، وفي طبيعة المعايير التي وضعت لأصولها الفنية، فأن العجب يصبح أمراً عادياً لا غرابة فيه إذا أنعمت النظر وأطلت التأمل في هذا الشرط:
(يجب ألا تزيد كلمات القصة التي تدخل المسابقة على ٦٠٠ كلمة)
شيء واحد خرجت به من هذه الكلمة التي قدم بها المصور للمسابقة، وهو أن القائمين على أمرها ينظرون إلى فن القصة القصيرة على ضوء الذوق الصحفي دون سواه. . . إنهم يتصورون القصة شيئاً أشبه ما يكون بالربورتاج الصحفي، ذلك الذي خلق للتسلية وملء الفراغ! وهذا واضح من قولهم أنهم يريدون قصة لا تزيد كلماتها على ٦٠٠ كلمة، لماذا؟ لأن معظم الناس لا يجدون من وقتهم ما يسمح لهم بمطالعة قصة حافلة بعبارات الوصف والتحليل والوقوف عند التفاصيل!. . . ولست أدري من الذي أقنعهم بأن عنصر المفاجأة في ختام القصة يعد أهم أركانها على الإطلاق، ولا من الذي أفهمهم أن ما يبذله كاتب القصة القصيرة من جهد لا يقل إن لم يزد على ما يبذل الكاتب في وضع القصة الطويلة! كلام لا يقوله أبسط الملمين بأصول الفن القصصي؛ لأن القصة التحليلية حين تبلغ غايتها من تشريح العواطف والنزعات لا تكون محتاجة في الغالب إلى المفاجآت، ولكن هناك أناساً ينشدون (الفرقعة) في نهاية كل قصة ولو كانت هذه الفرقعة على حساب الفن!. . . . والقصة الطويلة بعد هذا هي وحدها المقياس الفني الكامل لمواهب القصاص وطاقة القصاص، ولا كذلك الأمر في القصة القصيرة؛ لأن العمل الفني فيها محدود من الصفحات، وكذلك زحمة الحوادث والشخصيات؛ ومن هنا يستطيع كل قصاص أن يقبض على زمام القصة القصيرة بقليل من الجهد الفني، ولا يستطيع الناقد في القصة القصيرة أن يحكم على الطاقة الفنية التي تحدد الفارق بين فنان وفنان، لأنها طاقة تعمل في ميدان ضيق قد تتقارب فيه الملكات القاصة، تقارباً يصعب معه وزن القيم الفنية بميزاتها الدقيق الذي يمكن الناقد من إصدار حكم على الأثر الفني الذي لا رجعة فيه. . . ومع ذلك تسمع من يقول لك إن لهذا الجهد الذي يبذله كاتب القصة القصيرة لا يقل أن لم يزد على الجهد الذي يبذله كاتب