اللذة والسعادة في أن يراك قرير العين هادئ البال. وتخرجت في الجامعة، والجامعة تعلم الحذر والحيطة، وتسمو بالعقل ليكون قيداً يغل اليدين والرجلين، وترتفع بالفكر ليكون سداً بين الشباب والحياة، فهي تلفظ الشاب من بين جدرانها لتذره يضرب - على غير هدى - في بيداء مطموسة المعالم، إلا أن يجد إلى باب الوظيفة.
تخرجت أنت في الجامعة، وجلست على حيد الطريق تنتظر أن ينفتح أمامك الباب السحري - باب الوظيفة - وقد عز عليك أن تجد مفتاحه. وأبوك من ورائك يعينك على أمرك برأيه وجهده، ويخفف عنك صدمة التعطل بكلمات فيها الرحمة والعقل.
وطال بك الانتظار وأنت ملتصق بباب الوزير مرة وبباب المدير مرة، ولج بك الشوق إلى الوظيفة فبذلت من ماء وجهك ونزلت عن حياتك وتغاضيت عن كبريائك، ثم بدا عليك الوجوم والضيق من أثر اليأس، ونسيت أن الوهن والضعف قد تسربا إلى العمل الحكومي في غير هوادة ولا لين، وأن الأمر الهين ليقف بين الموظف الحكومي وقرطاسه وقفة ينطوي دونها العمر. والموظف لا يجد إلى العمل دافعاً من نفسه ولا من رئيسه، والرئيس لا يعنيه من العمل إلا أن يحس بالعزة في مكتبه وبالكبرياء في ديوانه، وهو يتلذذ حين يتعبد مرءوسيه في غير سبب، ثم تضيع حاجات الناس بين إهمال الموظف وغطرسة الرئيس
ومضت الأيام وطلبك نائم، فهو لن يتحرك إلا بيد الوسيط، والوسيط أحد الرجلين: رجل يتغفلك ليسلبك من مالك ثم يطير عنك إلى غير رجعة؛ ورجل يساومك ليتقاضى ثمن الوظيفة على دفعتين. . . وكلاهما كاذب محتال!
وعيل صبرك فوقعت على أحد الرجلين يخدعك عن وقتك ومالك فاندفعت إلى أبيك تطلب زيادة من المال في لغة الرجاء والاستجداء، ثم في أسلوب الإصرار والعناد، على حين لم تكشف له عن حقيقة الأمر. وعجب أبوك أن تزيد حاجتك إلى المال زيادة تبعث الشك وتوقظ الريبة، وهو رجل ذو دين وورع، يوقن بأن الإسراف مرض لا يصيب إلا رجلين: رجلاً به لوثة، فهو يطمع أن تكون كل حاجات الأرض ملكاً له، فهو يشتري هذا وذاك ليشبع بهم نفسه فحسب؛ ورجلاً به خلل أخلاقي، فهو يبعثر ماله بين الخمر والنساء، وخشي أن تكون قد ترديت في الهاوية، فأرسل إليك يقول: (إنني أحس منك إسرافاً جاوز