للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لا يراني إلا مرتين في السنة. ولي أنفة لا تسمح لي بأن أشكو. . وهكذا قضيت طفولتي - وهي أسعد أيام العمر - منطوياً على نفسي في ذله وانكسار، أدفن همي - رغم أنفي - في كتاب خشية أن يشي بي الخادم لأبي فيذيقني وبال أمري، وله عصا تفري الجلد وتحطم العظم. . . وساقتني الظروف إلى المدرسة وأرغمتني على أن أفرغ إلى الدرس، ووجد أبي اللذة والراحة في أن أعيش بعيداً عن أهلي وداري وأترابي. . . وأغلقت قلبي على حسرات، ومرت السنون. . . والآن، أراه يريد أن يسلبني مالي، فإن كانت هذه هي الأبوة، فما علي من بأس إن أنا قطعت هذه الوشيجة، أو صرمت هذه الصلة. . .)

وأراد عمك أن ينزع عنك الأفكار السود بمنطقه القروي، فترفع منطق المدينة وعقل الجامعة عن أن يلقيا السمع إلى حديث القلب النابض من أعماق القرية، فانطلق عمك من لدنك في شجوه وشجونه ينفض جملة حديثك أمام أبيك!

ليت عمك أطلع على الغيب فرأي بعيني بصيرته ما تخبئه الأقدار إذن لكتم هذا الحديث عن أبيك!

وسمع أبوك الحديث كله في صمت ثم أنتفض انتفاضة الجزع والخيبة، فأصابته إغماده شديدة، فما انجابت عنه الغمرة إلا ليجد نفسه مصاباً بالشلل! وذهبت أعوده، فقص لي قصتك. . . وإن حديثه ليتقطر أسى ولوعة، وإن قلبه ليبكي بكاء يسمع ويرى على أن فقدك أنت. . . أيها العاق!

الآن أصبحت موظفاً حكومياً، وبين يديك أرضك تستغلها كيف شئت، فهل وجدت السعادة والطمأنينة؟

لقد مات أبوك من أثر صدمة العقوق، فقل لي بماذا كانت تحدثك نفسك وأنت تسير على رأس جنازته لأنك ابنه الأكبر؟ هل ذاب قلبك حسرة حين أفزعتك لذعات الندم؟

واهاً لك يا من يركبك الغرور والشيطان، فيخيل إليك أنك شيء، فتأمن سخط أبيك وغضب إلهك ونقمة السماء. . . وما هي كلها عنك ببعيدة!

كامل محمود حبيب

<<  <  ج:
ص:  >  >>