كان الحياء يذودني عن شربها ... حيناً، وحيناً لا يذود حيائي
وعلى يديك شربت من خمر الهوى ... نوراً أطير به إلى العلثاء
وعلى يديك عرفت أسرار الصبا ... عند اللواتي هن سر بقائي
كم ذا تلاقينا، فكان لقاؤنا ... من لوعة الحرمان خير شفاء
نجني ونقطف ما نريد ونشتهي ... في غفلة عن أعين الرقباء
ونظل نبدع ما نشاء من المنى ... في ظل تلك الجنة الفيحاء
حتى إذا حان الفراق تفجرت ... في القلب نار كآبتي وشقائي
ومضيت عنك، وملء نفسي لوعة ... أخفي ظواهرها على قرنائي
وبمقلتيك مدامع حيرانة ... بين الظهور، وبين الاستخفاء
وعلى يديك ضراعة ملهوفة ... كضراعة الظمآن في الصحراء
أحيا بعيد الدار، يملأ عالمي ... جَزَعُ النوى، وكآبة الغرباء
تهفو إليك نوازعي ومدامعي ... فيردها هذا المدى المتنائي
وأراك في قلبي خيالاً ماثلاً ... يبكي معي في وحدتي الخرساء
وأراك في أفق الخيال حمامة ... حامت على نبع من الأضواء
فيكاد يقتلني الحنين، وقد مشى ... ناراً على كبدي، وفي أحشائي
ويظل يحلم باللقاء وعطره ... قلبي، ولكن لات حين لقاء!
ومضى الزمان بنا، فجمع شملنا ... في عشنا المتألق الأجواء
نحيا به إلفين في ظل الهوى ... وعلى رُبا جناته الخضراء
تتألق الآمال ملء شبابنا ... كتألق الربوات في القمراء
وترفرف الأفراح في أيامنا ... مثل الفراش بروضة غناء
حتى إذا ذهب الشباب، وملؤه ... وهج الحياة، وجذوة الأهواء
وبدا الشتاء كأنما ثارت به ... أيدي الزمان، فضج بالأنواء
ُلذْنَا بدفء من حنان خالص ... ومودة روحية وإخاء
وبذكريات عذبة تحي لنا ... لذات أيام الشباب النائي
تُظل أيامُ المشيب حياتنا ... بسعادة رفافة الأفياء