وضوح النهار , من شهود النفي مقدار ما تجد من شهود الإثبات، أولئك يفندون، وهؤلاء يؤيدون، والقاضي أمام هذه الأيمان الكاذبة والأقوال المتضاربة لا يملك للحق من الباطل إلا أن يفزع إلى توفيق الله فيخلّص بين الصحيح والفاسد بعقله، ويوفق بين القانون والعدل باجتهاده.
وتحضر مجلس العدل أو مجلس الأمن فتسمع الحقائق تنكر الحقائق، والوثائق تكذب الوثائق، والكتب البيض والزرق والخضر والصفر في دولة، تقف من أمثالها في دولة أخرى موقف الكاذب من الكاذب، والثالب من الثالب، يدفع كل منها الآخر بما حشد من شهود وجمع من أدلة وساق من وقائع!
هذه مصادر التاريخ اليوم والكتابة شائعة، والتسجيل منتظم، والعمران متصل، والمواصلات سريعة، والاستخبار صناعة مستقلة وفن قائم له وسائله التي تعين عليه، وشركاته التي تستبق فيه، وأهله الذين فرغوا، فما ظنك بمصادره يوم كانت الأمية فاشية والجهالة غاشية، والشقة بعيدة، والأسباب منقطعة، والألسنة وحدها هي التي تنقل الأخبار من إنسان إلى إنسان، ومن قبيلة إلى قبيلة، ومن مدينة إلى مدينة، ومن قطر إلى قطر؟
لا يا سيدي! ألحق أن التاريخ ثروة طائلة هائلة من كذب الإنسان! فاقرأه كما تقرأ إلياذه هوميروس، وإنياذة فرجيل، وشهنامه الفردوسي، ولا تلتمس الحق في أحداث الأرض وأعمال الناس إلا في الكتاب الذي يخرجه الله يوم القيامة لكل إمرىء فيقرأ فيه ما قدمت يداه، ثم يحاسبه أحكم الحاكمين على مقتضاه!