للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الجحيم من جهاتها الخمس أربعة أشهر وأثني عشر يوما لم يهادن فيها صهيون المحنق المغيظ ألا ليجدد ما دمر من عتاده، أو ليدفن ما قتل من أوغاد. وظاهر المحاصرين على المحاصرين اشتداد البرد ونفاد القوت ونقص الذخيرة وانقطاع المدد وإغواء العدو. فلو أن قائد الفلوجة سلم على هذه الحال لقواد الروس، لوسعه من العذر ما وسع قائد باريس حين سلم لقواد الألمان، وقائد برلين حين سلم لقواد الحلفاء.

ولكن أسد العرين كان أعرف بأشباله وأبصر بواجبه وأشعر بتبعاته؛ فوقف موقفه الذي قلت في تواريخ الأمم نظائره، ثم أخذ يطلق المنايا على قطعان المحاصرين كلما هاجموه فيجعلهم حصيدا يحجب وجه الثري، ويتخم بطن الأرض!

وهكذا اختار الله سيد طه وأركان حربه وسائر جنده ليكونوا حجة لمصر على أن صبرها لا ينفذ، وعزمها لا يخور، وجيشها لا يقهر!

لقد طلبوا الموت فوجدوا الحياة، وابتغوا الشهادة فظفروا بالمجد، وحاربوا جنودا فانتصروا أبطالا، ودخل الفلوجة وهي نكرة من نكرات فلسطين، ثم خرجوا منها وهي معرفة من معارف العالم!

أحمد حسن الزيات

<<  <  ج:
ص:  >  >>